المصدر لا يدلُّ على زمان معيّنٍ، وأمَّا من زاد فيه «دلالة الوضع» فإنّه قَصَدَ بذلك دفع النَّقض بقولهم: «أتيتكُ مَقدم الحاجّ» و«خفوق النَّجم» وأتت الناقة على منتَجِها فإن هذه مَصادر، وقد دلَّت على زمانٍ محصّلٍ، فعندَ ذلك تخرج عن الحدِّ، وإذا قالَ دلالة الوَضع لم يَنتقض الحدّ بها، لأنها دالةُ على الزَّمان لا من طريقِ الوضعِ، وذلك أن مَقدم الحاجّ يتفقُ في أزمنَةٍ معلومة بينَ النّاس، لا أنّها معلومةُ من لفظِ المَقدم، والدّليلُ على ذلك أنّك لو قلتَ: أتيتُكَ وقت مقدم الحاج صحّ الكلامُ، وظهرَ فيه ما كان مقدّرًا قبله، والتّحقيقُ فيه أن الحُدود تكشف عن حقيقة الشيء الموضوع أولًا، فإذا جاء منها شيءُ على خلاف ذلك لعارضٍ لم ينتقص الحد به وسَيَاتي نظائر ذلك فيما يمر بك من المسائل.
فأمَّا من قال: هو ما استحق الإعرابُ في أولِ وضعِهِ، أو ما استحقَّ التَّنوين، فكلامُ ساقطُ جدًّا وذلك أنّ استحقاق الشيءٍ لحكمٍ ينبغي أن يَسبِقَ العلم بحقيقته، حتى يرتب عليه الحُكْمُ، ألا ترى أنّه لو قالَ في لفظة «ضَرَبَ» هذا الاسم لأنه يستحق الإعراب في أولِ وضعه لاحتَجتَ أن تُبيّنَ أنه ليس باسمٍ، ولا يُعترض في ذلك بالإعرابِ وعدمه، ولو قال قائلُ: أنا أعربه أو أحكم باستحقاقه الإعراب؟ لقيلَ له: ما الدَّليلُ على ذلك؟ فقال: لأنّه اسمُ فيقال له: ما الدّليل على أنه اسم؟ فإن قال بعدَ ذلك: لأنّه
1 / 125