ألا ترى أن من يدعي النبوة يقول: اللهم إني إن كنت صادقا فاقلب هذه العصا حية، وأنطق هذا الذئب، وما جرى مجراه، فإذا فعل ذلك عند ادعائه (¬1) غاية دعواه، كان ذلك الفعل تصديقا له، وقد ثبت أن تصديق الكاذب قبيح، وأن الله لا يفعل القبيح، فثبت أن من صدقه الله بإظهار العلم عليه، صادق فيما ادعاه من النبوة، ولما بيناه قلنا إن المجبرة لا يمكنها الإستدلال بالمعجز على نبوة من ظهر عليه، لأن عندهم أن الله تعالى يفعل كل فعل يشار إليه، قبيحا كان أو حسنا، وأن له أن يضل عباده فما (¬1) يؤمنهم أن يصدق الكاذبين في ادعاء النبوة.
[ أخبار النبي صدق ]
فإن قيل: ولم قلتم إن جميع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدق؟
قيل له: لأنه قد ثبت كونه رسولا لله تعالى، وقد ثبت أن الحكيم لا يجعل رسوله من يكذب أو يفتري في شيء يؤديه عنه، فهذا دليل على صدقه عليه السلام في جميع ما يؤديه عن الله تعالى.
فأما ما يدل على صدقه في سائر ما يخبر به عنه، فإجماع المسلمين على أن تصديق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جميع ما يخبر به عن الله واجب (¬2)، فثبت أنه صادق في جميع ما يخبر به، وفي جميع ما يدل على صدقه في جميع أخباره أن الكذب ينفر الأمة، والله تعالى لا يبعث رسولا على وجه يقتضي تنفير أمته، فثبت أنه لا يبعث إلا من يعلم أنه لا يكذب في شيء مما يخبر به.
ألا ترى انه تعالى جنب نبيه الغلظة والفظاظة، لما علم أنهما يؤديان إلى التنفير، فقال تعالى: { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } [آل عمران:159]. فإذا ثبت وجوب صدقه صلى الله عليه وآله وسلم، ثبت وجوب ما أخبر بوجوبه من الصلوات والزكوات والصيام والحج وسائر الشرائع، وكل ما أخبر بتحريمه منه.
- - -
পৃষ্ঠা ৬৯