وأيضا ثبوت نوع واحد من النوعين المتعاكسين يكفي في إثبات كون الهيولى مشتركا، وهو يدل على جواز وجود النوع الآخر؛ فلذلك اقتصر الشيخ من هذا الازدواج على نوع واحد، وهو بيان تكون الهواء ماء، فاستشهد عليه بشيئين:
أحدهما:
الندى الحادث على ظاهر الإناء إذا برد بالجمد، وأشار إليه بقوله: «قد يبرد الإناء بالجمد فيركبه ندى من الهواء.» وذلك لأن الندى الذي يوجد هناك إما أن يتكون من الهواء، وهو المطلوب، وإما ألا يتكون منه، بل إما أن يجتمع من الهواء الطائف به على ما ذهب إليه منكرو الكون والفساد بين الهواء والماء، كالشيخ أبي البركات وغيره، أو يترشح مما في داخله. والأول باطل؛ لأن الهواء الطائف بالإناء لا يمكن أن يشتمل على أجزاء كثيرة من الماء خصوصا في الصيف؛ فإن الأجزاء المائية - إن كانت باقية - فقدتنا جدا، لفرط حرارة هوائية، ولا تبقى مجاورة للإناء. وعلى تقدير بقائها هناك، يلزم أحد ثلاثة أشياء:
إما نفاد تلك الأجزاء إذا تواتر حدوث الندى بعد تنحيته من الإناء مرة بعد أخرى، فيقع حصوله على الإناء مع كون الإناء بحاله الأولى.
وإما تناقصها، فيكون حصوله في كل مرة أنقص مما كان قبلها.
وإما تراخي أزمنة حصولها، فيكون بين كل حصولين زمان أطول مما بين حصولين قبلهما. وذلك على تقدير أن تجتمع الأجزاء التي تكون في هواء أبعد من الإناء إليه، مع أن ذلك بعيد جدا؛ لأن تلك الأجزاء الصغيرة - مع جذب حرارة الهواء إياها - لا تتمكن من خرق حجم كبير من الهواء.
ولكن الوجود يخالف جميع ذلك؛ لأنا نرى حدوث الندى مرة بعد أخرى على وتيرة واحدة، بشرط أن ينحى من الإناء ما حدث عليه، ويكون الإناء على حاله من التبرد. وأشار الشيخ إلى ذلك بقوله «كلما لقطته، مد إلى أي حد شئت».
وقيل على ذلك: إن كانت برودة الإناء مقتضية لفساد الهواء المحيط بالإناء، فوجب أن يصير كل ذلك الهواء ماء، ولا محالة يسيل الماء حينئذ، ويتصل به هواء آخر، ويصير أيضا ماء، إلى أن يجري الماء جريانا صالحا. وإذ ليس كذلك، فعلم أنه حدث من أجزاء مائية قليلة المدد.
وأجيب عنه بأن جرم الإناء، لصلابته، لا يتكيف بالكيفيات الغريبة سريعا، وعند التكيف تحفظ الكيفية بطيئا؛ فإذا ألحت عليه القوة المكيفة اشتد تكيفه بها فوق ما يشتد تكيف غيره.
ولذلك ربما توجد الأواني الرصاصية المشتملة على المائعات الحارة أسخن من تلك المائعات؛ فالإناء المذكور لشدة تبرده يفسد الهواء الطائف به، والماء، لسرعة تكيفه بالكيفيات الغريبة يحيله الهواء الطائف به ظاهره عن برودته الشديدة سريعا، فلا يفسد الهواء ما دام على سطح الإناء ماء، أما إذا تنحى عنه، واتصل الهواء بالسطح، عاد إلى فساده.
অজানা পৃষ্ঠা