তাবিকা ওয়া মা বাকদা তাবিকা
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
জনগুলি
الفصل الأول
علم الطبيعة
(1) موضوع هذا العلم
يرجع لفظ «ما بعد الطبيعة» إلى أحد أتباع أرسطو، وقد عني بترتيب كتبه، فوجد لواحد منها ثلاثة أسماء، هي الحكمة والفلسفة الأولى والعلم الإلهي؛ لاشتماله على ثلاثة مباحث كبرى؛ أولها: مبادئ المعرفة إطلاقا، والثاني : الأمور العامة للوجود، والثالث: الألوهية رأس الوجود. وهي مباحث تشترك في أعلى درجة من درجات التجريد، وتؤلف علما واحدا بهذا الاعتبار، يقع بعد الطبيعيات في الترتيب، فأطلق عليه ذلك التابع اسما مأخوذا من مكانه، وهو اسم إن لم يجد شيئا في التعريف بالمدلول، فإنه يضم أجزاءه ويوفر له وحدة الموضوع اللازمة للعلم، وقد عالجنا مسألة المعرفة، ومبحث الأمور العامة في كتاب «العقل والوجود»، ونعالج هنا مسألة الألوهية.
إن الشعوب قاطبة اعتقدت دائما بموجودات أرفع من الإنسان، دعتها آلهة وأربابا، ودانت لها بالخشوع والخضوع، واعترفت بإشرافها على الحوادث السفلية، ونستطيع أن نقول: إن العلماء - حتى الممعنين منهم في المذهب الحسي المستمسكين بالمنهج التجريبي - مجمعون على أن الدين أقدم المظاهر الإنسانية وأعمقها تغلغلا في الحياة، فردية واجتماعية. وفي مقدمة الجاحدين لوجود الله أو الآلهة، الماديون والتصوريون. والحزبان متفقان على رفض معاني الروح والجوهر والعلة، اعتقادا منهم أن العقل قاصر عن إدراك ما يجاوز نطاق التجربة. ومن الجاحدين أيضا، ومن أشهرهم في عصرنا، معظم العلماء الاجتماعيين، أو كلهم، وهم فرق في مختلف البلدان الغربية، ولكل فرقة نظرية، وربما كانت أشهرها نظرية دوركيم وتلاميذه، وهم يذهبون إلى أن فكرة الألوهية هي عين فكرة المجتمع مجولة إلى خارج ومنصوبة ماهية عليا بما للمجتمع من سلطان قاهر وأثر بالغ، يحس في الاجتماعات، وبخاصة بمناسبة الأعياد والمراسم والأحداث القومية، حيث تهزه روح من العزة والشجاعة والحماسة ترفعه فوق مستواه المألوف.
فما بعد الطبيعة علم خاص موضوعه تلك المسائل الثلاث، وأهمها من غير شك موجود معين بيده أمر العالم أجمع، أو موجودات معينة لكل منها بعض الأمر. وهذا العلم من هذا الوجه أجدر بأن يسمى «ما قبل الطبيعة» أو «ما فوق الطبيعة» لعلو موضوعه واستناد العلم الطبيعي عليه كاستناد الطبيعة نفسها على القدرة العظمى، فهو متقدم عليها. والفرق جسيم بين البعدية المكانية والتبعية الوجودية.
وهو علم فلسفي يرمي إلى استكشاف العلة الأولى للأشياء وتحديد صفاتها، بالعقل وحده، دون اللجوء إلى العاطفة ولو كانت العاطفة الدينية. وقليلو الثقة بالعقل ومبادئه ومناهجه هم الذين يثيرون الريبة حوله، حتى المؤمنون منهم. كان بسكال مؤمنا أشد إيمان، ومن جهة أخرى معتقدا أن العقل قوة استدلالية ليس غير، يستنبط النتائج من المقدمات، ويصل إلى معان مجردة، لا إلى شخصيات، والمطلوب بصدد الله الحصول على معرفة حدسية محسوسة بالقلب، يعني على إله الشخصي، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، كما يقول، لا الوصول إلى فكرة الله أو إله الفلاسفة والعلماء، والبراهين الفلسفية معقدة صعبة بعيدة من استدلال الجمهور. ذلك موقف بسكال وموقف كثيرين قبله وبعده. والحقيقة أن وجود الله مفتقر إلى البرهان، بدليل كثرة المتشككين في قوة البراهين، فضلا عن المنكرين، والبراهين مبنية على بديهيات يقرها العقل الصريح، ويدركها كل من سلم عقله من النظريات الزائفة، بحيث لا يغتفر الجهل بها أو التشكك فيها، ولو أن تفسيرها الفلسفي يحتاج إلى إمعان نظر. (2) إجمال الآراء
ولزيادة إيضاح هذا الموضوع نجمل الآراء فيه، وهي كثيرة دقيقة موجهين التفاتا خاصة إلى الأحادية أو مذهب وحدة الوجود بلا تمييز بين الله والعالم، وهو أشنع المذاهب في حق الله، أشنع من الإلحاد الصرف؛ لأن الإنكار البات لوجود الله أهون من تشويه حقيقته، والإهانة فيه أخف. وهو أشد المذاهب خطرا على الأخلاق والدين؛ يلح أنصاره في الإيمان بالله، وما الله عندهم سوى لفظ أجوف يطلقونه على جملة العالم، أو على روح غير معين، وفي الحالين على شيء خلو من الشخصية، يصطنعون التصوف، وما تصوفهم إلا غرور يلتمسون من سبيله لذة نفسانية.
نقول إذن: لعل الهنود أول شعب ظهر فيه هذا المذهب، أو ظهر بمثل ما نعرف له عندهم من قوة وسمو. كانوا على الشرك أو تعدد الآلهة يؤلهون قوات الطبيعة، ويتصورون الأشياء مريدة كالإنسان، وبخاصة الأجسام المضيئة وظواهرها الضوئية. ثم انتقل تفكير كهنتهم البراهمة إلى الجمع بين الآلهة، وانتهوا إلى ثلاثة: أحدهم خالق، وآخر حافظ المخلوقات، وثالث معدم ما يعدم منها، أو هم ثلاث وجهات لقوة واحدة، تنبثق الموجودات من براهما كينبوع عام دون تمايز حاسم إلا في الظاهر. والإرادة في براهما عبارة عن شهوة التكثر والتعدد، فولد الضوء بقوة عقله. والضوء الذي خلقه أحس الشهوة عينها، فخلق المياه، وأحست المياه عين الشهوة وخلقت الأرض.
ولما نشأت الفلسفة اليونانية كان من أقطاب الطبقة الأولى أشياع لهذا المذهب. ولا نستبعد أن يكونوا تأثروا بالتعاليم الهندية. فبحثوا عن أصل الأشياء وطريقة تكوينها، فآثر كل منهم مادة جعل منها الأصل الذي تتكون منه الأشياء باجتماع بعضه مع بعض، أو بالتكاثف، وتفسد بافتراق بعضه عن بعض، أو بالتخلخل، آثر طاليس الماء، وانكسيمانس الهواء، وهرقليطس النار، واعتقد كل منهم في مادية الحياة والفكر. فبمقتضى هذا التصور كان الوجود واحدا، لما هو واضح من أن المركب هو من جنس أصله وطبيعته، وكان هرقليطس أعمقهم نظرا وأكثرهم صراحة، قال: إن هذا العالم لم يصنعه إله أو إنسان، ولكنه كان أبدا، والنار الأثيرية هي الله. وقال: إن الأشياء جميعا في تغير متصل وتطور مستمر بقوة باطنة وقانون ذاتي، وبهذه الأقوال توفرت له وحدة الوجود، وحدة مادية باشتراك الأشياء أصلا وصيرورة.
অজানা পৃষ্ঠা