তাবিকা ওয়া মা বাকদা তাবিকা
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
জনগুলি
لم يفض أرسطو في مسألة الخلود، بل لعله لم يمسها، مع إيمانه الراسخ بروحانية النفس؛ وامتاز بتأسيس علم النفس على قواعد علمية بحت، فحصر مسائله وعالجها بالمنهج العلمي الصرف، دون ما تضحية به للخيال ولو كان جميلا. خصص له كتابا على حياله مليئا بالعلم والبرهان، ورسائل سمي مجموعها بالطبيعيات الصغرى حافلة بالتجارب التشريحية والتحليلات الوجدانية، مما لم يسبق له نظير. في مفتتح الكتاب تعريف هذا العلم، وتعيين منهجه، وبيان اتحاد النفس والجسم بإلحاح شديد لأهمية المسألة في نظره. فالنفس مبدأ الحياة والأفعال الحيوية في الجسم الحي من نبات وحيوان وإنسان، وهي في كل على قدره، فلا تطلق إلا بضرب من التشكيك أو التناسب، أي مع الفارق، ولا بأس في استعمال هذا اللفظ المشترك والقول بنفس في النبات والحيوان، ما دمنا نلحظ الفارق ونميز بين النفوس. فالنفس هي الصورة الجوهرية للجسم الحي، وعلم النفس جزء من الفلسفة الطبيعية؛ لأن موضوعه - وهو الجسم الحي - مركب من هيولي وصورة. ومنهج مثل هذا العلم لا يمكن أن يكون إلا تجريبيا استقرائيا؛ لأن الوجدانيات ظواهر حادثة تابعة للأحوال والظروف. أما اتحاد النفس والجسم اتحادا جوهريا بحيث يؤلفان جوهرا واحدا، فأظهر مظاهره تجمل في ما يأتي: ليس الانفعال، كالخوف والغضب، فعل النفس وحدها، وإنما هو فعل المركب من النفس والجسم، ففي الوقت الذي يحدث فيه انفعال نفسي يحدث تغير في الجسم؛ بل قد ينشأ الانفعال من اختلال الجسم دون قصد ذهني ولا سبب خارجي، على ما نشاهده بوضوح في العصبيين والسوداويين. والإحساس فعل النفس بمشاركة العضو الحاس. والتعقل، ولو أنه خاص بالنفس، إلا أنه مفتقر للصور الخيالية كي نجرد منها المعاني الكلية التي هي موضوعات العقل، ولا خيال من غير المخ والجهاز العصبي؛ فمن الوجهة النفسية الانفعال صورة وجدانية، ومن الوجهة الجسمية الانفعال مظهر لهذه الصورة، من غير تقدم أحد الحدين على الآخر أو تأخره عنه. فجميع الأفعال الوجدانية متعلقة بالجسم ضربا من التعلق.
ظلت العقول تتناقل معاني أفلاطون وأرسطو إلى أن جاء ديكارت. كان رياضيا عبقريا، وأراد أن يطبق المنهج الرياضي على المادة بمختلف صورها، فكان أكبر العاملين على انقلاب العلوم إلى شكلها الحديث، فإليه يجب الرجوع في علم النفس. وقد ذهب إلى أن المادة مقابلة للفكر، وأطلق لفظ الفكر على جميع الظواهر الوجدانية من إحساس وشعور وتخيل وتذكر وتعقل وإرادة، ولما كانت المادة لا تفكر قال: إن النفس مبدأ الفكر، وأنكر أن الحيوان يدرك ويشعر، واستنتج أن الإنسان وحده - وهو مفكر بلا ريب - ذو نفس دون غيره من الأحياء، وأن مظاهر الحياة النامية في النبات والحيوان والإنسان تؤديها وظائف آلية صرف، وأن مظاهر الإدراك والشعور والنزوع في الحيوان تؤديها وظائف آلية كذلك لا دخل فيها للنفس، وأن النفس والجسد جوهران تامان كل منهما قائم بذاته، وأن الصلة بينهما قاصرة على حلول النفس في الغدة الصنوبرية التي هي جسم صغير بيضاوي واقع في مقدم المخ، فتتأثر بما يصل إلى هذه الغدة من الحركات الواقعة على أعضاء الحواس، وتترجم الحركات ترجمة وجدانية من لون وصوت ورائحة وطعم وحرارة وبرودة، وتدبر الجسد من تلك الغدة كما تريد بأن تبعث الحركات التي تريد أن يأتيها الجسم. أما كيف تتأثر النفس - وهي روحية بسيطة - بحركات مادية، وكيف تترجمها على النحو المذكور مع ما بين الحركة والوجدان من تباين، وكيف تبعث بحركة مادية وهي روح، أو كيف تستطيع أن تحول الحركة الجسمية من وجهة إلى أخرى كما قال ديكارت، فتلك اعتراضات وجهت إليه ولم يستطع الإجابة عنها إجابة مقنعة.
ولما أراد ديكارت أن يعرف الإنسان قال: إنه «جوهر مفكر». وهذا التعريف يمنع أن يكون الإنسان حيوانا ناطقا، ويوجب أن يكون ناطقا أو مفكرا فقط، أو على الأقل يمنعه أن يعتبر نفسه حيوانا حين يقول: «أنا أفكر.» جميع الظواهر الجسمية من اغتذاء ومشي وانفعال بإحساسات، ضروب من الحركة تفسر بالأعضاء وتركيبها ومكانها بعضها مع بعض لا أكثر، يحركها الدم، والأرواح الحيوانية تشبه غازا جد لطيف، أو لهبا في غاية الصفاء يولدها القلب باستمرار، فتصعد إلى الدماغ الذي هو بمثابة خزانة لها، ثم تمر في الأعصاب، وتوزعها الأعصاب في العضلات، حيث تحدث انقباضا أو انبساطا تبعا لكميتها. فدراسة الإنسان دراسة لظواهره الوجدانية، وهذا هو علم النفس. أما الظواهر الجسمية فراجعة إلى الفيزيقا المعنية بالمادة وأحوالها.
تلك أصول التفكير الحديث في علم النفس. وقد تشعب هذا التفكير إلى وجهتين؛ هما التصورية والمادية. التصورية وجهة الذين قبلوا الوضع الديكارتي لمسألة المعرفة، وهو أننا لا ندرك الأشياء أنفسها، بل ندرك تصوراتنا أو أفكارنا، فهؤلاء بدءوا بالفكر أو النفس، وانتهوا به، كما صنع ديكارت، أي: استبعدوا الجسم، حسبانا منهم أنه مجموع تصورات ليس غير، فاستغرقت النفس الجسم، وتبددت مسألة العلاقة بينهما. والمادية وجهة الذين رفضوا أن يعترفوا للفكر بقيمة ذاتية، وأضافوا القيمة الذاتية للمادة، فاستبعدوا النفس ظانين أنها مجرد فكرة طارئة على تغيرات الجسم، وتبددت كذلك مسألة العلاقة بين نصفي الإنسان. ولم يلبثوا أن اصطنعوا التصورية في المعرفة بالرغم من معارضتهم لوجود النفس، وتحول مذهبهم المادي إلى مذهب تجريبي
Empirisme
أو واقعية تصورية شعارها: «إننا لا نعلم إلا ما يظهر لنا وعلى ما يظهر.» ورجع الفرق بين التجريبي والتصوري إلى أن الأول لا يقر بحقيقة للمعاني الغريزية التي يؤمن بها الثاني، ويجعل منها أسس المعرفة والوجود.
نعد من أئمة التصوريين: مالبرانش وليبنتز وسبينوزا وبركلي وكنط، اعتبروا التفاعل بين النفس والجسم أمرا غير مفهوم لما بينهما من تعارض حاسم. وكانت النتيجة المنطقية لهذا الاعتبار الوقوف عند توازي السلسلتين، أي ظواهر النفس وظواهر الجسم، دون محاولة التفسير والتعليل؛ ولكنهم أضافوا الظواهر جميعا إلى الله، لا إلى النفس ولا إلى الجسم، فقال مالبرانش: إن ما يتوهم من إرادات النفس ما هو إلا «مناسبات» لتأثير الله في النفس. فكل فاعلية تبدو في المخلوقات ما هي إلا ظاهرية. وارتأى ليبنتز أن الله يودع في كل مخلوق ظواهره جميعا بلا استثناء في حالة قوة وكمون، فتتحقق رويدا رويدا على الترتيب الذي عينه الله. والغريب من هذين الفيلسوفين وأمثالهما أن التصورية عندهم لم تكن كلية كما ينبغي، بل كانت قاصرة على الجسميات؛ إما النفس وإما الله، فقد اعتقدوا بهما كحقيقتين لا يتطرق إليهما الشك. وإلى مثل هذا ذهب سبينوزا ماحيا التمايز الجوهري بين الموجودات، وقائلا بجوهر واحد مفكر ممتد عنه تصدر الموجودات وأفعالها. وباركلي أنكر المادة مبقيا على معانيها المتجلية في النفس أو الذهن، ومضيفا هذه المعاني إلى إيحاءات من لدن الله. أما كنط فقد كان التصوري الصارم الحاسم، لم يعتقد بوجود النفس ولا بوجود الجسم، بل ردهما إلى الفكر كصورتين من بين صور غريزية فيه. وقد كان إمام الظاهريين
أولئك الذين لا يرون في الوجدان سوى سلسلة من الظواهر المتعاقبة دون ما ربط بينها أو «أنا» مفكر، ولا يحيدون عن «النوازي» يمنة ولا يسرة.
ونعد من أئمة الماديين المحدثين هوبس ولوك؛ والباقون يكادون لا يأتون بشيء جديد. يمضي هوبس من هذه القضية الأساسية في مذهبه، وهي: أن كل علم فهو آت من الإحساس، ويعرف الإحساس بأنه حركة في ذرات الجسم الحاس، ويردد القول القديم أن المعاني المجردة أسماء تقوم مقام الصور الجزئية. ولا يعلل نشوء الظاهرة الوجدانية مع الحركة الجسمية: فإذا كانت هذه الظاهرة ذاتية للحاس، فكيف نعلل هذه الذاتية إن لم يكن للإنسان نفس، ولم يكن للنفس فعل متغاير للحركة؟ وهو يلاحظ أن مجرى أفكارنا تابع، ليس فقط لتعاقب حركات الدماغ بترتيب معين ، كما يقضي به المذهب المادي، بل أيضا لتأثير الميل والاهتمام: فكيف نفسر الحياة الفكرية تفسيرا آليا؟
أما لوك فهو حسي على هذه الطريقة: يعين لأفكارنا منبعين اثنين يرجعان إلى واحد ولا يختلفان إلا بالتسمية، وهما: الإحساس بكيفيات الأجسام، والتفكير الذي يظهرنا على الأفعال الباطنة. فالمعاني التي ليست آتية لا من الإحساس ولا من التفكير هي مصطنعة مفتعلة، مثل المعاني المجردة؛ ولوك يحمل على المعاني الغريزية حملة نراها موفقة في أغلب مفاصلها. ولكنه يتردد كثيرا في مسألة النفس. يقول: إن وجودها موضوع حدس باطن، وإن الأنا شيء مفكر مدرك لأفعاله، كما يشهد التفكير، ثم لا يريد أن يقول: إن «الذاتية الشخصية» تقوم في ذاتية النفس، أي بقائها هي هي، ويردها إلى ذاتية الشعور بالأنا الذي يتذكر الآن فعلا ماضيا، وهذا وصف لشعورنا بالشخصية، وليس تفسيرا لإمكان الذاكرة والشخصية. إن التذكر يستلزم بقاء الأنا هو هو، ويرى لوك أن هذه المسألة، أي بقاء الأنا بالفعل هو هو، مجاوزة لنطاق التجربة الصرف، ولا يريد أن يعرض لها. وكذلك يفعل في مسألة ما إذا كان الأنا روحيا أو ماديا، فهو يطلب شهادة التجربة الخالصة، ويأبى تأويلها بالعقل.
অজানা পৃষ্ঠা