وحضر ابنُ السكيت، فقال له الواثق: سَلْه عن مسألة. فقلت له: ما وزن "نكتل" من الفعل؟ فقال: "نفعل". فقال الواثق: غلِطتَ. ثم قال لي: فسِّره. فقلتُ: "نكتل" تقديره: "نفتعل"، "نكتيل"، فانقلبت الياء ألفًا لفتحة ما قبلها، فصار لفظها "نكتال"، فأسكنت اللام للجزم؛ لأنه جواب الأمر، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. فقال الواثق: هذا الجواب، لا جوابك يا يعقوب. فلما خرجنا قال لي يعقوب: ما حملك على هذا، وبيني وبينك من المودَّة الخالصة؟! فقلت: والله ما قصدي تخطئتَك، ولم أظن أنه يَعْزُبُ عنك ذلك.
قال المازني: وحضرت يومًا آخر، واجتمع جماعة نحويِّي الكوفة، فقال لي الواثق: يا مازني، هاتِ مسألةً. قلتُ: ما تقول في قول الله ﵎: ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ لِمَ لمْ يقل: "بغيَّة" وهي صفة لمؤنث؟ فأجابوا بجوابات غير مرضيَّة. فقال لي: هاتِ. قلت: لو كان "بغيّ" على تقدير "فعيل" بمعنى فاعلة؛ للحقتها الهاء مثل كريمة وظريفة. وإنما تحذف الهاء إذا كانت في معنى مفعولة في نحو امرأة قتيل، وكَفٍّ خضيب. و"بغيّ" هاهنا ليس بفعيل، إنما هو "فَعُول" لا تلحقه الهاء في وصف التأنيث نحو امرأة شكور، وبئر شطون؛ إذا كانت بعيدة الرّشاء. وتقدير "بغيّ": "بغوي" قلبت الواو ياء، ثم أدغمت الواو في الياء، فصارت ياء ثقيلة، نحو سيد وميت. فاستحسن الجواب.
قال المازني: فاستأذنتُه في الخروج، قال: هلَّا أقمتَ عندنا؟ قلتُ: لي أخيَّة أُشفِق أن أغيب عنها. فأذِن لي.
قال أبو علي إسماعيل بن القاسم: قال المازني: فانصرفتُ إلى البصرة، وكتب إلى عاملها أن يُدِرَّ عليَّ مئة دينار كلَّ شهر. فلما مات الواثق قُطِعت عنِّي. ثُم ذُكِرتُ للمتوكل، فأمر بإشخاصي، فلما دخلتُ عليه، رأيتُ من العُدَّة والسلاح والأتراك ما رَاعني، والفتح بن خاقان بين يديه، وخشيت أني إن سُئِلتُ عن مسألةٍ ألَّا أجيب فيها. فلما مثلتُ بين يديه،
1 / 89