فلما ورد الكتاب على الرشيد قامت قيامته وضاق صدره وقال: أليس لهذا الدين من يناضل عنه «9»؟ قالوا: بلى يا امير المؤمنين هم الذين نهيتهم عن الجدال في الدين وجماعة منهم في الحبس، فقال: أحضروهم! فلما حضروا قال: ما تقولون في هذه المسألة؟ فقال صبي من بينهم «10»: هذا «11» السؤال محال لأن المخلوق لا يكون الا محدثا «12» والمحدث لا يكون مثل القديم فقد استحال ان يقال: يقدر على ان يخلق مثله او لا يقدر كما استحال ان يقال «13» يقدر ان يكون «1» عاجزا او جاهلا، فقال الرشيد: وجهوا بهذا الصبي الى السند حتى يناظرهم! فقالوا: انه لا يؤمن ان يسألوه عن غير هذا فيجب ان توجه «2» من يفي بالمناظرة في كل «3» العلم، قال الرشيد: فمن لهم؟ فوقع اختيارهم على معمر، فلما قرب من السند بلغ خبره ملك «4» السند فخاف السمني ان يفتضح على يديه وقد كان عرفه من قبل فدس من سمه في الطريق فقتله
قلت «5»: وجواب الصبي الذي قدمنا حكايته غير سديد «6» من احد طرفيه لأنه قال: يحال السؤال والصحيح انه «7» لا يحال هنا بل يجاب بانه مستحيل لما ذكره والمستحيل غير مقدور ولا يستلزم «8» تعذره العجز كما سيأتي
وكان الرشيد نهى عن الكلام وامر بحبس المتكلمين، حمله على ذلك قوم لم يعرفوه «9» والمرء عدو ما «10» جهله
وحكي انه اجتمع عند الرشيد رجلان من المتكلمين فتكلما في مسئلة فقال لبعض الفقهاء: احكم بينهما، فقال: هذا امر «11» لا يعنيني وانا لا احكم في امر لا يعنيني، فأمر له بصلة وقال: هذا جزاء من لا يشتغل «12» بما لا يعنيه
وحكي انه اجتمع أيضا عنده رجلان يتكلمان في مسئلة من الكلام فبعث بهما الى الكسائي لينظر ما «13» بينهما فلما دخلا عليه وتكلما وبلغا الى موضع لا يعرفه قال: هما زنديقان يقتلان
পৃষ্ঠা ৫৬