طبقَاتُ فقَهاء اليَمن
تأليف
عُمَر بن عَليْ بن سَمرة الجَعْدي (٥٨٦) هـ
بتَحقيق
فؤاد سَيِّد
أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية
دار القلم
بيروت - لبنان
المقدمة / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
في أواخر ديسمبر ١٩٥١، أتاحت لي الظروف الطيبة أن أزور اليمن السعيدة، في بعثة (^١) علمية لدراسة ما فيها من المخطوطات، وتصوير نوادرها ونفائسها، وقد تهيأت لي بذلك الفرصة لأ اعرف عن كتب ذلك التراث القيم، من المخطوطات الإسلامية، التي يحتفظ بها ذلك القطر ذو الحضارات العريقة، والذي أخرج من العلماء في كل عصر، من غذوا المكتبة الإسلامية بالمصنفات والتآليف في شتى العلوم والفنون.
وقد كان من نتائج هذه الرحلة، أن شغفت بالدراسات اليمنية، وبخاصة ما يتعلق بكتب الطبقات والتراجم، فهي في نظري السجل الحافل للتأريخ والأخبار، فضلًا عن أنها تقدم للباحثين في كل العصور ثبتًا حافلًا بمصنفات هؤلاء العلماء وآثارهم ودراساتهم.
وكان من خير كتب الطبقات التي استرعت انتباهي «طبقات فقهاء اليمن» لابن سمرة الجَعْدي، الذي يعد من أقدم المصنفات اليمنية في هذا الموضوع، فقد استوعب فيه صاحبه تراجم الفقهاء اليمنيين منذ ظهور الإسلام حتى سنة ٥٨٦ هـ تقريبًا، وكان مرجع من بعده من المؤلفين في كتب الطبقات والتراجم.
وفي الوقت الذي نازعتني نفسي فيه، أن أقوم على تحقيق هذا الكتاب ونشره سعدت في مصر سنة ١٩٥٦ بلقاء معالي الصديق العلامة القاضي محمد بن عبد الله العمري نائب وزير الخارجية اليمنية، وتنقل بنا الحديث في نواحي كثيرة من العلم إلى أن ذكرت له اهتمامي بهذا الكتاب، وعنايتي بتحقيقه ونشره.
_________
(^١) راجع تقرير الدكتور خليل يحي نامي رئيس هذه البعثة -طبع سنة ١٩٥٢.
المقدمة / 3
فما كان من سيادته: وهو الغيور على وطنه وعلى إحياء تراثه، إلا أن طلب إليَّ في إلحاح أن أسارع في تحقيق هذه الرغبة، وأنه على استعداد لتقديم كريم عونه في إخراج هذا الكتاب، وأن لديه نسخه منه منسوخة حديثًا عن أصل قديم موجود في بلاد حضرموت للإستعانة بها في تحقيق الكتاب، واشترط عليَّ أيضًا أنه مادام كتاب «ابن سمرة» هذا يترجم لعلماء اليمن الأسفل، فإنه يجب أن أقوم أيضًا بعد ذلك بتحقيق كتاب «طبقات علماء الزيدية» للسيد يحيى بن الحسين، حتى يتم لنا بذلك جميع تراجم علماء اليمن وفقهائه، وأنه سيضل دائمًا عند وعده الكريم في تقديم كل عون لهذا العمل.
ولا شك أن هذا الشرط، وقع من نفسي، موقع القبول والرضا، لأن هذا الترتيب بعينه، هو ما كنت عزمت عليه، ووطنت نفسي له، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وبهذه المناسبة، أرى أن أسجل في هذا المقام، أنني بعد أن أتممت تحقيق الكتاب وأنجزت من طبعه عدة ملازم، علمت أن صديقي العلامة الجليل القاضي حسين السياغي، كان له اهتمام خاص بهذا الكتاب، وأنه أعدّ منه نسخة مخطوطة قابلها على نسخة منقولة من مخطوطة حضرموت، وراجعها على بعض المصادر الأخرى، وصنع لها بعض الفهارس، وأنه أرسل هذه النسخة إلى القاهرة، وقد أتيحت ليّ الفرصة فاطلعت عليها، والحق أنه قد بذل فيها جهدًا كبيرًا، وعناية حسنة جديرة بالتقدير والثناء. ولو كنت أعلم عناية فضيلته بهذا الكتاب لما شرعت في تحقيقه ونشره، تاركًا له هذا العمل، باذلًا له أحسن العون، فإنه بذلك جدير، وعلى هذا الأمر قدير. ولعل خير ما يعوضه عن هذا الجهد، ويبعث في نفسه الرضا، أن يخرج هذا الكتاب بالصورة التي كان يرجوها له، وأن يؤدي رسالته في نفع الناس به.
وبعد فلنقدم إلى القارئ الكتاب ومؤلفه:
المقدمة / 4
الكتاب
هذا الكتاب يعتبر من أقدم كتب الطبقات اليمنية، إن لم يكن أقدمها جميعًا، وقد قصد المؤلف بتصنيفه «أن يعَّرف كل فقيه يمني حال اليمن منذ الرسول ﷺ إلى وقته هو (^١)» ورسم لنفسه منهجًا تأريخًا، يتضمن ذكر كل من تولى الأحكام والقضاء والفقه، في هذه الفترة من الزمان، مع إيراد ما أمكنه الحصول عليه من أخبارهم وحياتهم ومصنفاتهم، وأهم الحوادث، التاريخية المتصلة بذلك، معتمدًا على ما حصله من بطون كتب التأريخ والفقه والحديث، وما نقله عن طريق شيوخه ومروياته من الأخبار، حتى إذا ما وصل إلى الحديث عن معاصريه، كانت تراجمه في هذا الباب تحوي معلومات وأخبار هامة، اعتبرت أساسًا عند جميع من ترجم لهؤلاء الأعلام من بعده.
والمؤلف - وهو شافعي المذهب - يحكي لنا في كتابه، قصة دخول المذهب الشافعي إلى اليمن، وانتشاره فيها، خصوصًا فيما يصفه المؤرخون باليمن الأسفل، حيث كان مركز هذه الدراسات، ويقدم لنا نتفًا متفرقة عن الكتب التي كانت مرجع القوم في دراستهم العلمية، قبل دخول مصنفات الشافعية، ويصف لنا الحياة العلمية والعقلية، التي كانت سائدة عصرئذ في هذه البلاد.
ومن ضم شتات هذا النتف بعضها إلى بعض، نستطيع أن نقول: أن أهل اليمن في المائة الثالثة، قبل دخول الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين إليها سنة ٢٨٠ هـ وانتشار دعوته، وقبل ظهور دعوة علي بن الفضل القرمطي، كانوا «إما مالكية أو حنفية وهو الغالب (^٢) وأكثر ما يتفقه به أهل اليمن في صدر الإسلام وما بعده - إلى وقت ظهور تصانيف الشافعية - بفقهاء مكة
_________
(^١) ص ١٤٢ من هذا الكتاب.
(^٢) ص ٧٩ من هذا الكتاب.
المقدمة / 5
والمدينة (^١)».
وفي الوقت الذي ظهر فيه مذهب الإمام الشافعي، وانتشر في البلدان، كان بعض فقهاء اليمن يرحل إلى خارج البلاد، إلى مكة والمدينة وبغداد وغيرها، في طلب العلم، فالتقوا في هذه البلاد بعلماء كثيرين من أقطار مختلفة، فأخذوا عنهم علمهم وكتبهم، وعادوا بها إلى اليمن (^٢).
ويقول المؤلف ص ٨٠: إن «الشفعوية، وكتبها وشيوخها قبل القاسم بن محمد القرشي وأصحابه غير مشهورة في اليمن». وعن هذا الفقيه انتشر مذهب الشافعي في المائة الرابعة (من صنعاء إلى عدن) وازداد انتشاره بوساطة تلاميذه في هذه البلاد، وإن كانت مدينة زبيد في هذا الوقت، قد عرف بها مذهب الشافعية، وإليها رحل أيضًا هذا الفقيه القاسم بن محمد، وتلقى عن شيوخها (^٣)، كما رحل بعد ذلك إلى مكة، ولقي فيها بعض أئمة الشافعية في هذا العصر.
ومن الكتب القديمة التي كان عليها مدار الفقه والتشريع، في هذا المخلاف من اليمن، قبل دخول مصنفات الشافعية «جامع السنن» لمعمر بن راشد البصري (وهو أقدم من الموطأ)، وموطأ الإمام مالك، و«جامع عبد الرزاق الصنعاني» و«جامع السنن» لأبي قرة موسى بن طارق اللحجي الرعرعي الذي كانت عليه أيضًا تواليف في الفقه انتزعها من فقه مالك وأبي حنيفة ومعمر وابن جريج والثوري وابن عيينة، لأنه لقيهم جميعًا (^٤).
وكان الغالب في هذه البلاد، مذهب مالك وأبي حنيفة كما ذكرنا،
_________
(^١) ص ٥٥ من هذا الكتاب.
(^٢) انظر على سبيل المثال تراجم: عبد الله الزرقاني ص ٨١. والحسين بن جعفر المراغي ص ٨٣. ومحمد بن يحيى بن سراقة العامري ص ٨٤.
(^٣) ص ٨٨ من هذا الكتاب.
(^٤) ص ٦٩ من هذا الكتاب.
المقدمة / 6
«ولم يكن علم السنة مأخوذًا عندهم، إلا من «جامع» معمر بن راشد - وهو مصنف في صنعاء - و«جامع» سفيان بن عيينة، وجامع أبو قرة اللحجي، وأيضًا من المرويات عن مالك في الموطأ وغيره، مثل كتاب أبي مصعب الزهري، ومما يروى عن طاووس وابنه والحكم بن أبان وقدماء فقهاء اليمن» (^١).
ثم دخلت مصنفات الشافعية إلى هذه البلاد، وتفقه بها العلماء، واشتغلوا بالتأليف حولها من تهذيب واختصار وشرح وغير ذلك، «وكان أهل اليمن في المائة الخامسة وما قبلها يتفقهون بكتاب المزني، وبالرسالة للإمام الشافعي، وبمصنفات القاضي الطبري، وكتاب ابن القطان، ومجموع المحاملي، وشروح المزني المشهورة، وبالفروع لسليم بن أيوب الرازي (^٢)». وذلك قبل أن يدخل إليهم كتاب «المهذب» لأبي إسحاق الشيرازي، الذي لم يصل إليهم في اليمن، إلا في آخر المائة الخامسة (^٣)، فكان معتمدهم في الفقه والفتيا.
ومن المؤكد أن أغلب مصنفات الشافعية من أهل اليمن التي لم تعرف، كانت موجودة عندهم، ومتداولة بينهم، إلا أنها لم تعرف ولم تشتهر خارج بلادهم، ككتب اليمنيين جميعًا، تحت ظروف خاصة بهم وبعزلتهم.
ولقد كان هدف المؤلف في هذا الكتاب، أن يبين «وجه اتصال الفقه برسول الله ﷺ، مع ما يندرج فيه من ذكر تأريخ فقهاء اليمن وغيرهم (^٤)».
ولا ريب أن المؤلف قد أستطاع أن يبلغ غرضه من هذا المنهج بعناية وتحقيق، وأضاف إلى ما أورد من تراجم، الكثير من المعلومات التاريخية الهامة، وبخاصة في أحداث العصر الذي عاش فيه، مما لا يوجد عند غيره من المؤرخين، إلا من أخذ عنه أو نقل منه.
_________
(^١) ص ٧٤.
(^٢) ص ١١٨ من الكتاب.
(^٣) ص ١٢٦.
(^٤) ص ١٤٢.
المقدمة / 7
وقد يستطرد في بعض الأحيان، إلى ذكر معلومات هامة في التأريخ بعيدة عن موضوع الترجمة التي هو بصددها ولا صله لها به، ثم يعود إلى ما كان فيه بقوله ولنرجع إلى ما كنا فيه. كذلك قد يعرض للمؤلف ذكر بعض العلماء من غير اليمنين - ممن تلقى عنهم صاحب الترجمة التي يؤرخ لها، أورد ذكرهم
استطرادًا - فيترجم لهم، وبذلك حفل كتابه بتراجم هامة لأعيان فقهاء الشافعية فيما بين القرنين الرابع والسادس.
ومن الواضح أن المؤلف كان حريصًا على تحقيق وفيات من ترجم لهم، إلا أنه في الفترة التي عاصرها، ترك كثيرًا من تأريخ الوفيات (على بياض)، ولعل ذلك كان. لأن بعضهم كانوا لا يزالون على قيد الحياة، والبعض الآخر لم يصل إلى علمه تعيين تواريخ وفياتهم. وكانت بعض التراجم - وخصوصًا الأخيرة في الكتاب - موجزة ومختصرة، وهذا يدل على أن معلوماته عنهم لم تكن كافية، ومع ذلك فقد حرص على ألا يخلو كتابه من ذكرهم رغم ضآلة أخبارهم.
وقد كان لهذا الكتاب عند المؤرخين قيمة كبيرة، لما استقوه من معلومات هامة، لم تكن تعرف عندهم، لو لم يجمعها المؤلف ويضمنها كتابه. بل إن الجَنَدي اعتبره أساس كتابه «السلوك» وقال عن مؤلفه: «وهو شيخي في جمع هذا الكتاب، ولولا كتابه لم أهتد إلى تأيف ما ألفت، ولقد أبقى للفقهاء من أهل اليمن ذكرًا وشرح لذوي الأفكار صدرًا (^١)».
وذكر الجَنَدي أيضًا في مقدمة كتابه المذكور أنه «أخذ أخبار المتقدمين غالبًا، من أحد كتب ثلاثة، أكملها في ذكر العلماء وتواريخهم كتاب الفقيه
_________
(^١) "السلوك" للجندي لوحة ٢١٨.
المقدمة / 8
أبي حفص عمر بن علي بن سمرة، إذ ذكر غالب الفقهاء باليمن منذ ظهر به الإسلام إلى سنة بضع وثمانين وخمسمائة، الخ»
وقال عنه ابن الديبع الشيباني .. الذي ينقل عنه كثيرًا - في مقدمة كتابه «قرة العيون في أخبار اليمن الميمون»: أنه ذو السبق والإبتداء فيمن ألف في تأريخ اليمن وفضائله.
عنوان الكتاب
ورد عنوان الكتاب في النسخ التي أعتمدناها للتحقيق على صور مختلفة هي:
١ ـــــ جاء في نسخة الأصل في صفحة العنوان: كتاب طبقات فقهاء اليمن وعيون من أخبار سادات رؤساء الزمن، ومعرفة أنسابهم، ومعرفة أعمارهم، ووقت وفاتهم - جمع الفقيه الفاضل الكامل العارف المحقق نور الدين أبي حفص عمر بن علي بن الحسين بن سمرة بن أبي الهيثم بن أبي العشيرة الجعدي.
٢ ـــ وفي نسخة حضرموت: طبقات فقهاء اليمن الأسفل- تأليف الفقيه العلامة أبي الخطاب عمر بن علي بن سمرة بن الحسين بن سمرة الجعدي.
٣ ـــ وفي نسخة مكتبة علي أميري باستنبول: طبقات فقهاء جبال اليمن وعيون من أخبار سادات رؤساء الزمن، ومعرفة أنسابهم ووقت وفاتهم، ومواليدهم.
جمع الفقيه عمر بن علي بن سمرة بن الحسين بن سمرة بن أبي الهيثم الجعدي. وبآخر هذه النسخة: تم التأريخ طبقات الفقهاء في جبال اليمن من صنعاء إلى عدن.
٤ ـــ وفي نسخة ألمانيا (^١): يبدوا أن رأس صفحة العنوان قطع وضاع معه عنوان الكتاب ولصق بدلها قطعة ورق كتب عليها بعضهم سطرًا واحدًا ليتسق
_________
(^١) عاونني في الحصول على صورة من هذه النسخة الصديق الكريم الدكتور بورج كرامر الأستاذ بجامعة توبنجن بألمانيا. فله خالص الشكر ووافر التقدير.
المقدمة / 9
مع السطر الثاني الموجود في الصفحة، وهذا السطر الدخيل هو: هذه تراجم العلماء الشافعية ومشايخهم ورواتهم ومن أخذوا عنه. والسطر الأصيل الذي بعد ذلك هو: بالزمن: تأليف الفقيه عمر بن علي بن سمرة بن الحسين بن سمرة بن أبي هاشم [الصواب: ابن أبي الهيثم] ابن أبي العشيرة الجعدي.
أما عند المؤرخين الذين نقلوا عنه أو ترجموا لمؤلفه، فقد ذكروا الكتاب باسم «طبقات فقهاء اليمن» أو طبقات ابن سمرة فعند الجندي لوحة ١٤٥: «طبقات أهل اليمن» وعند السبكي في طبقات الشافعية (٢٣٧:٤): «طبقات فقهاء اليمن» وعنده أيضًا (٩٣:٣): «طبقات اليمنيين (^١)».
والكثير من الأخبار التي أوردها السبكي نقلًا عن طبقات ابن سمرة أخذها مشافهه من الحافظ عفيف الدين عبد الله بن محمد المطرى، كما يذكر ذلك في بعض المواضع، وفي البعض الآخر يصرح أنه أخذها من المطرى الذي نقلها عن الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبى عن الشيخ قطب الدين محمد بن أحمد القسطلاني فيما علقه من تأريخ اليمن (^٢).
ومن المرجح أن الأخير نقلها من كتاب ابن سمرة، أو من كتاب السلوك للجندى الذي ينقل أقوال ابن سمرة بنصها معزوة إليه.
أما عند حاجي خليفة صاحب كشف الظنون (١١٠٥:٢) فإنه يسمي الكتاب «طبقات فقهاء اليمن ورؤساء الزمن» لعمر بن علي المعروف بابن سمرة الجعدي اليمني، فرغ منها سنة ٥٨٦ هـ. ويذكره أيضًا (٣١١:١) عرضا باسم: طبقات فقهاء اليمن لابن سمرة.
_________
(^١) وردت هذه الكلمة في طبقات الشافعية «التمييز» وواضح أنها مصحفة من اليمنيين.
(^٢) طبقات الشافعية للسبكي ٢١٩:٤
ـ
المقدمة / 10
المؤلف
هو عُمَر بْن عَليْ بن سَمرة بن الحسين بن سمرة بن أبي الهيثم بن العشيرة الجَعْدي (^١)، ولد سنة ٥٤٧ هـ في قرية أُنامر من بلاد العوادر، وتفقه بجماعة من الشيوخ منهم: علي بن أحمد اليهاقري، وزيد بن عبد الله بن أحمد الزبراني، ومحمد بن موسى العمراني، وطاهر بن يحيى بن أبي الخير العمراني، وجماعة غيرهم كثيرون.
وقد ترجم المؤلف لنفسه في مقدمة الكتاب وذكر شيوخه، وما تلقاه عليهم من الكتب، فأغنانا بذلك عن البحث عن ترجمته، فإن جميع ما ورد في الكتب التي ترجمت له نقلت عنه ما ذكره هو عن نفسه، ولم تزد شيئًا عن ذلك، ويمكننا أن نضيف إلى ما أورده بعض البيانات المفيدة عن حياته استخلاصًا من ثنايا كتابه.
فقد ذكر في ص ٢٣٣: أن والده أنتقل بأولاده إلى أكمة زَبَرَان سنة ٥٦٣ هـ وفي ص ١٩٠: أن والده توفي سنة ٥٧٤ هـ وفي ص ٢٢٣: أن المؤلف تولى القضاء في أَبْين سنة ٥٨٠ هـ من جهة قاضي القضاة أثير الدين.
وفي ص ١٢٧: أنه دخل عدن سنة ٥٨١ هـ. وفي ص ١٢٧: أنه حج إلى مكة مبحرًا من عدن، وزار جزيرة كمران في ذهابه وإيابه.
وقد وردت عند الهمداني في صفة جزيرة العرب بعض عبارات توضح أن أسرة أبي سمرة من الأسر العريقة القديمة ذات الجاه والمكانة فقد ذكر في ص ١٥٩ بعض الحصون ومن بينها «حصن السمريين، وهم بنو أبي سمرة من جعدة». وفي ص ١٦٠ ذكر أيضًا أن في «جعدة حصن يقال له مُرغِم أي يرغم العدو بامتناعه دونه، وهو لبني أبي سمرة».
_________
(^١) راجع سلسلة نسب المؤلف في ترجمته لنفسه في أول الكتاب من ص ١ - ٤.
المقدمة / 11
ولم تُعرف السنة التي توفي فيها المؤلف على وجه التحقيق. فقد ذكر الجندي (لوحة ٢١٨) أنه يظن أن ابن سمرة توفي في أبين بعد سنة ٥٨٦ هـ. ولم يزد بامخرمة في ترجمته للمؤلف في تأريخ ثغر عدن (ص ١٧٩) عما أورده الجندي فقد نقل عنه بالنص.
ويقول صاحب كشف الظنون: أنه فرغ من كتابة طبقات فقهاء اليمن سنة ٥٨٦ هـ.
ومن هذا يتضح أن معرفة حياة المؤلف عند من ترجمه، كان راجعًا إلى ما وقف عنده من تأريخ وفيات الفقهاء الذين أرخ لهم. وهو في كل هؤلاء لم يذكر بعد سنة ٥٨٦ هـ. أي سنة أخرى، وهذا يصور لنا أنه مات في سن الأربعين، أو بعدها بقليل، ولكن ربما كان من المحتمل أنه عاش فترة أخرى قد تكون أطول مما نظن بعد تأليف كتابه، ولم يعلم بذلك أحد ممن ترجمه، خصوصًا وأن أول من كتب عنه، وترجم له هو بهاء الدين الجَنَدي المتوفي سنة ٧٣٢ هـ، وبينهما قرن ونصف من الزمان، وعلى كل حال فليس في المصادر التي بين أيدينا ما يدلنا على حياته بعد سنة ٥٨٦ هـ اللهم إلا ما جاء في بعض التراجم في كتابه (^١) من ذكر تأريخ وفاة بعض الفقهاء بعد هذه السنة (وهي سنة ٥٨٦ هـ) فقد علقنا على ذلك في الحواشي بأنه من المحتمل أن تكون هذه التواريخ زيادة ممن تملكوا هذه النسخ، لعدم وجود هذه التواريخ في النسخ الأخرى، أو عند الجَنَدي الذي أعتمد على كتابه اعتمادًا كليًا.
وصف النسخ التي أعتمدت عليها في التحقيق:
١ ـــ نسخة مكتبة بلدية الإسكندرية: وهي مكتوبة في أواخر القرن التاسع الهجري، أو أوائل العاشر، يدل على ذلك أن بها نصًا مقحمًا في ترجمة عمرو بن
_________
(^١) انظر ص ١٩٠ و٢٣٦.
المقدمة / 12
حمير التباعي (ص ٢٣٧) منقول من كتاب «طبقات الخواص للشرجي المتوفي سنة ٨٩٣ هـ».
وهذه النسخة مكتوبة بقلم نسخ معتاد، والكثير من كلماتها مضبوط بالشكل وهي ناقصة من آخرها مقدار ورقة تقريبًا ضاعت فيها خاتمة النسخة، وربما كان فيها تأريخ النسخ واسم الناسخ، كما ضاع من أثنائها أيضًا ورقة بين صفحتي ٥٦ - ٥٧، وقد أكملنا هذا النقص من النسخ الأخرى، وتقع في ١٩٧ صفحة.
وهذه النسخة هي التي أعتبرناها أصلًا للتحقيق، ورمزنا إليها بكلمة «الأصل» وهي محفوظة بمكتبة بلدية الإسكندرية تحت رقم ٣٦٥٠ ج.
٢ ـــ نسخة حضرموت: وهي مكتوبة بخط حديث سنة ١٣٧٢ هـ نقلًا عن نسخة أخرى حديثة كتبت سنة ١٣٦٦ هـ نقلت من أصل قديم كتب سنة ٧٣١ هـ محفوظ في وقف آل ابن سهل في مدينة تريم بحضرموت.
ويظهر أن في الأوراق الأخيرة من هذه النسخة بعض تقطيع أودى ببعض الجمل والكلمات فتركها ناسخ نسختنا بياضًا وهذه النسخة هي التي قدمها لنا القاضي العلامة محمد العمري، ورمزنا إليها بحرف «ح». (وراجع أيضًا ص ٢٥٠ من الكتاب).
٣ ـــ نسخة مكتبة علي أميري بإستانبول: وهي مكتوبة بخط سقيم كثير التصحيف والتحريف. ولسقم هذه النسخة كدت أن أصرف النظر عنها، ولكن مع المراجعة، اتضح أنها لا تخلوا من فوائد وزيادات ساعدت في تحقيق بعض المبهمات في النسخ الأخرى، فلم أجد بدًا من الإستعانة بها. وهي مكتوبة في الحديدة سنة ١٣٢٤ هـ وتقع في ٧٩ ورقة وقد رمزنا لها بحرف «ع».
٤ ـــ نسخة ألمانيا - وهي مكتوبة بخط دقيق معتاد في القرن التاسع الهجري وتقع في ٣٥ ورقة. والواقع أن هذه النسخة عبارة عن مختصر للكتاب روعي فيها حذف الإستطرادات التي يذكرها المؤلف في تراجمه مما يعتبر أخبارًا خارجة
المقدمة / 13
عن الموضوع أو تراجم لغير اليمنيين، مع تغيير في بعض العبارات لربط سياق الكلام بعد الحذف، حتى تستقيم العبارة، وقد يبلغ الحذف في بعض الأحيان أكثر من صفحة، وفي الأماكن التي ترك فيها المؤلف (بياض) في مكان تأريخ وفاة المترجم في النسخ السابقة كان مختصر هذه النسخة يذكر في الهامش هذه العبارة "ينص لمولده ووفاته" كما أنه كان يحذف بعض الكلمات والعبارات الصعبة، أو التي يتعسر فهمهما أو قراءتهما.
وكاتب هذا المختصر هو العلامة تقي الدين أبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر ابن محمد المعروف بابن قاضي شهبة الأسدي (^١) المتوفي سنة ٨٥١ هـ.
فقد لفت نظري عبارة مكتوبة في رأس صفحة العنوان نصها: «تراجم بخط ابن شهبة» وبمقارنة خط هذه النسخة بخط ابن شهبة في كتابه (المنتقى من تأريخ الإسلام) (^٢) اتضح أنه يماثله تمامًا.
ويبدوا أن ما أراده ابن شهبة من هذا المختصر أن يجمع فيه تراجم فقهاء الشافعية اليمنيين فقط، ولذلك ترك كثيرًا من أول الكتاب وبدأ من عند ذكر المؤلف: «لأول من أظهر مذهب الشافعية في اليمن من الشيوخ على الترتيب (^٣). وربما كان يريد بذلك أن يضمن هذه التراجم كتابه عن «طبقات الشافعية (^٤)».
والظاهر أن برأس صفحة العنوان لهذه النسخة قطع ضاع معه السطر الأول من عنوان الكتاب ولصق بدله ورقة أخرى كتب عليها بخط مخالف لخط النسخة سطر آخر مكان السطر الضائع نصه: هذه تراجم العلماء الشافعية ومشايخهم ورواتهم ومن أخذوا عنه. ثم سطر آخر به اسم المؤلف ثم عبارة أخرى نصها:
_________
(^١) ترجم له السخاوي في الضوء اللامع ٢١:١١.
(^٢) نسخة أحمد الثالث ٢٩١٧. ومنها مصورة بالجامعة العربية.
(^٣) ص ٨٠ من الكتاب.
(^٤) منه نسختان بدار الكتب المصرية برقمي ١٥٦٨ و٩٠ م تاريخ
المقدمة / 14
«وقفت عليه في ثلاث كراريس ونصف، فانتفعت منه بتراجم الشافعية خاصة، نفع الله به».
ثم بعض نقول أخرى مكتوبة بطول الصفحة وعرضها، ملخصة من القسم الذي حذفه ابن قاضي شهبة أول الكتاب. وجاء بآخر هذه النسخة العنوان الصحيح للكتاب وهو: آخر طبقات فقهاء اليمن وعيون من أخبار رؤساء سادات الزمن - جمع عمر بن علي بن الحسين بن سمرة الجعدي بن أبي هاشم [الصواب: الهيثم] بن أبي العشيرة الجعدي. نقلته من نسخة كثيرة الغلط والتصحيف، فيحترز الناقل ويتأمل ما ينقل، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين.
وقد كان اعتمادنا على هذه النسخة من ص ٨٠ في المطبوع حيث تبدأ. وهي محفوظة في ألمانيا تحت رقم ١٠٠٣٤ راجع فهرس (هلوار وصفحة ج ١٠:٤٤٤) ورمزت إليها بحرف "ب"
منهج التحقيق:
اعتبرت نسخة الأسكندرية أصلًا للكتاب لأنها أكمل هذه النسخ وأقدمها وحافظت على نصها، إلا ما تأكدت أنه خطأ أو مخالف للواقع، فاخترت ما رأيته الصواب من النسخ الأخرى، ليكون النص أقرب إلى الصواب على قدر المستطاع، وقد أثبت في الحواشي خلافات النسخ الأخرى.
ولما كان كتاب السلوك للجندي قد تضمن أكثر ما في كتاب ابن سمرة، فقد أعتبرته أصلًا آخر غير مباشر للتحقيق. وأثبت أيضًا في الحواشي الخلافات الواردة عنده.
والمشتغلون بالتراث اليمني عمومًا وبالتأريخ خصوصًا، يدركون ندرة المراجع التي يمكن الإستعانة بها في التحقيق، سواءً ما كان منها مطبوعًا أو مخطوطًا
المقدمة / 15
ولذلك فإن الباحث يجد مشقة وعناء في تحقيق ما يعرض له من نصوص، الأمر الذي حملني عبئًا باهضًا في تحقيق هذا الكتاب ومقابلة ما نقله المؤلف من نصوص على أصولها الخطية.
ويكفي أن يطلع القارئ، على ثبت المراجع المستعملة في التحقيق (بآخر الكتاب) ليدرك عدد المخطوطات التي رجعت إليها وعارضت بها ما جاء في هذا الكتاب.
وقد راعيت عند كل ترجمة أن أشير إلى بعض المراجع التي ترجمت له، للإستئناس بها أو لمن يريد التوسع في أخبار صاحب الترجمة، وحرصت أن تكون أكثر هذه المراجع ممن نقل عن ابن سمرة أو اطلع على كتابه، وقد اضطرني الأمر إلى التوسع في بعض الحواشي بالشرح أو التعليق على بعض المناسبات، وهي وإن كانت بالنسبة لأهل اليمن معروفة عندهم، إلا أنها قد تكون بالنسبة إلى غيرهم - خارج بلادهم - مجهولة وغير معروفة.
وأخيرًا وبعد أن قدمت الكتاب إلى العلماء والباحثين وعلى الأخص المشتغلين بالدراسات اليمنية على هذه الصورة التي أرجوا أن تظفر بتقديرهم أرى فرضًا عليّ أن أتوجه بخالص الشكر والثناء إلى العلامة الجليل القاضي محمد العمري الذي دفعني بتشجيعه وتقديره إلى تحقيق هذا الكتاب ونشره معاهدًا له على أن أحقق رغبته في نشر كتاب "طبقات علماء الزيدية" للإمام يحيى بن الحسين في القريب إن شاء الله.
كما أخص بالشكر صديقي العزيز القاضي إسماعيل بن حسن الأكوع الذي قدم لي من جهده وعلمه وحماسه، ما يجعلني أضاعف له الثناء والحمد.
والله سبحاته وتعالى أسأل أن يوفق اليمنيين جميعًا وعلى رأسهم جلالة الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى حميد الدين ملك اليمن، في إحياء تراث بلادهم المجيدة والعناية به، والسير قدمًا في ركب الحضارة ونهضة الشعوب إنه سميع مجيب.
القاهرة
٩ جماد الأولى ١٣٧٧ هـ
أول ديسمبر ١٩٥٧ م
فؤاد سيد
المقدمة / 16
إصطلاحات
[..] الأرقام التي بين هذين القوسين هي أرقام صفحات النسخة التي أعتبرنا أصلًا.
أما الكلمات أو العبارات التي بين هذين القوسين أيضًا فهي زيادات من الناشر لا يستقيم المعنى إلا بها.
(..) ما بين هذين القوسين ساقط من نسخة الأصل ومكمل من النسخ الأخرى.
الرموز الواردة في الحواشي هي:
الأصل= نسخة مكتبة بلدية الإسكندرية.
ب = نسخة مكتبة برلين (ألمانيا).
ح = نسخة حضرموت.
ع = نسخة علي أميري بإستنبول.
المقدمة / 17
بسم الله الرحمن الرحيم
(وبه الثقة والمعونة) (^١)
[١] الحمد لله الذي ألهمنا لحمده، وأفهمنا لسؤاله وقصده، ووسعنا جميعًا بسعةِ رفده، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعبده، والمصطفين من صحابته وأهل وده، وعلى أزواجه وذريته من بعده.
أما بعد: فإني أسأل الله العون على تلخيص ما أردته وتقريبه، وتخصيص ما نويته (^٢) وتهذيبه من ذكر فقهاء (^٣) اليمن ومبلغ أعمارهم، ومعرفة ساداتهم (^٤) وأنسابهم ووقت وفاتهم (^٥) على قدر ما يحضرني من أخبار السلف الماضين، والخلف الباقين (* وأبدأ بذكر الذين دَرَسْتُ عليهم واعتمدت في مسموعاتي ومقروءاتي إليهم، على ترتيب أمري، ومن أحدّث (^٦) عنه في سفري وحضري، (وأقدم أصل نجاري) (^٧)، وتأريخ عمري، ليتبين الكلام، بعون ذي الجلال والإكرام؛ فأقول وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو حسبي ونعم الوكيل.
أخبرني والدي ﵀، علي بن سَمُرَة بن الحسين بن سَمُرة بن الهيثم (^٨)
_________
(^١) تكملة من ح.
(^٢) في ح: بوبته.
(^٣) في ح: أيام فقهاء.
(^٤) في ح وع: سادتهم.
(^٥) في ع: وأوقات ميلادهم ووفاتهم.
(^٦) في ع: أخذت.
(^٧) هذه العبارة متآكلة في الأصل وأثبتناها من ع.
(^٨) في ع: ابن أبي الهيثم.
(* من هنا - وهو بدء الكلام على ترجمة المؤلف لنفسه - إلى آخر الترجمة عند العلامة *) ص ٤ قبل بدء الكلام على مبعث سيد المرسلين، لا يوجد في نسخة ح.
1 / 1
ابن أبي العشيرة بن سعيد بن مسعود بن سعيد الجعدي [٢] فكل من ينسب إليهم فإلى (^١) الأسلاف والأودية، ويعرفون بالأزايد، وجعدة: هو ابن كعب ابن ربيعة بن عامر بن (صعصعة بن) (^٢) معاوية بن بكر بن هوازن (بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن (^٣) بن منصور بن عكرمة بن خصفة (^٤) بن (قيس بن عيلان بن) (^٥) مضر بن نزار بن معد بن عدنان. (لأن عمران ابن ربيعة بن عبس بن زهرة بن غالب بن عبد الله بن عك بن عدنان (^٦) فيجتمع عِمران وهو جد بني (بني عمران) (^٧) وجعدة وهو جد الأجعود في عدنان، وكان لجعدة ثلاثة إخوة بَشير وعَقيل وجَديس من أولاد كعب بن ربيعة، ولكل واحد ذرية وعقب ينتسبون إليه.
فأخبرني والدي ﵀: أن مسكن أبائه وأجداده قرية الحَدِىّ (^٨)
[فَوَرَزَانُ والأودية بطن من بطون الأجعود، وهم الأكثرون بحار والأسلاف وفي جبل حِزْيَز] (^٩)، ومنهم وادي الضَّباب والحالمِيَنْ وَرَدَفان وهم خلق كثير؛
_________
(^١) في ع: في.
(^٢) تكملة من ع.
(^٣) هذه الأسماء زيادة في الأصل. وساقطة من ع ولا توجد أيضًا في طرفة الأصحاب في نسب قيس بن عيلان (ص ٦١) ولا في القصد والأمم (ص ٨٦) في سلسلة هذا النسب.
(^٤) في الأصل وع: «حفصة» تحريف والتصويب من كتب الأنساب.
(^٥) تكملة من ع. وهي تتفق مع ما جاء في الطرفة والقصد والأمم.
(^٦) زيادة من نسخة ع. وهي موجودة في الطرفة ص ١١٣.
(^٧) متآكلة في الأصل. وأثبتناها من ع.
(^٨) ع: الجعدي.
(^٩) هذه العبارة في ع: «في الأودية من بلاد الأجعود، وهم الأكثر، ومسكنهم مخلاف الأسلاف. في محلهم. ومحل كل من ينسب إليهم إلى الآن يعرفون بالأزائد وردفان بطن من بطون الأجعود والأكنوس =
1 / 2
ومن أبناء (^١) هذه البطون، من سكن (^٢) الجعدية وغيرها، وينسب في أصله لكل بطن ممن ذكرت أفخاذ كثيرة، وأبيات (^٣) جمة غزيرة؛ ولولا أن الحديث ذو شجون ما ذكرتهم، لأن مقصودي ذكر الذين نفعني الله بهم، وحصّلت الخير ببركتهم.
فمولدي أنا (قرية) (^٤) من قرى العوادِر من سنة [٣] سبعة (^٥) وأربعين وخمسمائة ونشأت بها وتعلمت القرآن فيها على جماعة، منهم: الفقيه مسعود بن حسان ابن حَرْب الجعدي، ويعرف بابن المهتدين. (ومنهم أصواب بن التهامي) (٤) ومنهم الأديب الأجل سعيد بن عمرو بن موسى الجرادي، (وبه ختمت القرآن) (٤) وعنده حفظته عن ظهر قلب، وعليه أعدت القرآن مع أتراب لي من أبناء العوادر وغيرهم.
مات ﵀ في أُنامِر في شهر جماد سنة ست وسبعين وخمسمائة (^٦).
وفيها مات أخي يحيى بن علي (^٧) بن سمرة رحمة الله عليه، ثم درسْت الفقه على جماعة شيوخ أجلاء، أولهم: علي بن أحمد (^٨) مسكنه اليَهاقرِ بادية الجَنَد، تفقه بشيوخ البلد، كالإمام زيد بن عبد الله اليفاعي وغيره، وأخذ عن زيد ابن حسن الفايشي، وهو أول من سمعه منه الفقه، مات ﵀ في الأنصال،
_________
= جبل حريز». وكلمة «ورزان» في الأصل وع: وردان، والتصويب من صفة جزيرة العرب.
(^١) في ع: أثبات.
(^٢) في ع: يسكن.
(^٣) في ع: وأثبات.
(^٤) تكملة من ع.
(^٥) في ع: تسعة.
(^٦) في ع: ٥٧٣، هكذا بالأرقام.
(^٧) في الأصل: عيسى. وما أثبتنا من ع وهو الصواب.
(^٨) سترد له ترجمة فيما بعد.
1 / 3
قرية من قرى العوادر سنة ثمان وخمسين وخمسمائة (^١)، وقبره بمقبرة الكَريف هنالك، وكان يومئذٍ هاربًا في بلاد العوادر [لأجل خوف أهل الأجناد من ابن مهدي، لأن ابن مهدي أخذ الجَنَد] (^٢)، وقتل أهلها وحرق مسجدها، وفعل أفعالًا قبيحة [وعاد إلى زبيد ومات بها وقبره بمشهدهم المعروف بآبائهم.
ومنهم شيخي زيد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله الهمداني، من زَبَرَان بادية الجَنَد، تفقه بالإمام يحيى بن أبي الخير. ومنهم شيخي سالم بن مهدي ابن قحطان بن حمير بن حوشب الأخضري، تفقه على شيوخ الحُصَيْب، أظنه حكى لي أنه قرأ المهذب على الفقيه راجح بن كهلان عن الشيخ الإمام ابن عبدويه [عن المصنف] (^٣).
ومنهم شيخي القاضي أحمد بن محمد بن زيد بن حسان، أخذت عنه العربية وشيئًا في الفقه، وأحسن تأديبي وتعليمي وبالغ في تهذيبي وتفقيهي، جزاه الله عني خيرًا)] (^٤).
وسأذكر إن شاء الله بعد ذلك تحقيق ذلك ومدتهم [٤] وذكر شيوخي على الترتيب، وانتفاعي بهم ونفعهم، عند ذكر الشيوخ الفضلاء الأجلاء نفع [الله] بهم *).
فأقدم على ذلك مبعث سيد المرسلين ومن وفد عليه من المهاجرين، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وبه أستعين.
روى البخاري في صحيحه، مبعث النبي ﷺ (فقال هو (^٥»:
_________
(^١) في ع: ٥٥٦ بالأرقام.
(^٢) هذه العبارة في ع: لخوف الأجناد من بني مهدي، وفي هذه السنة أخذ مهدي بن على الجند.
(^٣) تكملة يقتضيها السياق مأخوذة من ترجمة (زيد بن عبد الله) في أواخر الكتاب.
(^٤) زيادة من ع.
(^٥) تكملة من ع.
1 / 4