ابْنُ غَانِمٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ هِمَّةً فِي نَفْسِهِ، يُجِيدُ اللِّبَاسَ، لَقَدْ مَاتَ فَأَصَابُوا لَهُ كِسًى قُوِّمَتْ بِأَلْفِ دِينَارٍ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَمَنَاقِبُ رَبَاحِ بْنِ يَزِيدَ كَثِيرَةٌ جِدًّا يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكِتَابُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ، قَالَ: كَانَ رَبَاحُ بْنُ يَزِيدَ، يَأْتِي كُلَّ جُمُعَةٍ إِلَى ابْنِ غَانِمٍ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ قَاضٍ فَيَدْعُو، وَكَانَ رَبَاحٌ رَقِيقَ الْعُرُوقِ، فَجَعَلَ يَوْمًا يَدْعُو فَانْثَنَتْ عُنُقُهُ، فَاسْتَضْحَكَ ابْنُ غَانِمٍ، وَتَمَادَى رَبَاحٌ فِي الدُّعَاءِ، وَتَمَادَى ابْنُ غَانِمٍ فِي الضَّحِكِ، حَتَّى نَهَضَ رَبَاحٌ، فَظَلَّ جُلاسُ ابْنِ غَانِمٍ عِنْدَهُ، يَعْذِلُونَهُ لِمَا كَانَ مِنْهُ، فَقَالُوا لَهُ: هَلْ رَبَاحٌ يُضْحَكُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: أَمْسِكُوا، إِنَّمَا غَمِّي أَنَّ الْعَدُوَّ لَمَّا عَلِمَ مَا عَرَفْتُهُ مِنَ الْخَيْرِ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، قَالَ الشَّيْخُ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الَّذِي بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَقْبَلَ رَبَاحٌ، كَمَا كَانَ قَبْلُ، فَأَخَذَ فِي الدُّعَاءِ، فَظَهَرَ عَلَى ابْنِ غَانِمٍ مِنَ الرِّقَّةِ وَالْخُشُوعِ، أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ الضَّحِكِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، أَوْ قَالَ: ظَهَرَ عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْقَضَى دُعَاؤُهُ أَقْبَلَ ابْنُ غَانِمٍ عَلَى رَبَاحٍ، فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللَّهُ يَا أَبَا يَزِيدَ خَيْرًا، فَقَالَ لَهُ رَبَاحٌ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْكَ إِنَّمَا حَرَّكَكَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ لِيَقْطَعَ مَا عَرَفْتَهُ مِنَ الْخَيْرِ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَقَدْ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَكَانَ لِرَبَاحِ بْنِ يَزِيدَ أَخٌ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ تَنَحَّى
1 / 51