باطنًا! ألا سبحان الله ما أحلمه!
نعم؛ لولا حُلم الله لخسف الأرض بالعرب؛ حيثُ أرسل لهم رسولًا من أنفسهم أسّس لهم أفضل حكومة أُسِّسَت في النّاس، جعل قاعدتها قوله: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيّته»؛ أي كلٌّ منكم سلطانٌ عام ومسؤول عن الأمة. وهذه الجملة التي هي أسمى وأبلغ ما قاله مشرِّع سياسي من الأولين والآخرين، فجاء من المنافقين من حرَّف المعنى عن ظاهره وعموميته؛ إلى أنَّ المسلم راعٍ على عائلته ومسؤول عنها فقط. كما حرَّفوا معنى الآية: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضُهم أولياءُ بعض﴾ على ولاية الشهادة دون الولاية العامة. وهكذا غيّروا مفهوم اللغة، وبدَّلوا الدِّين، وطمسوا على العقول حتى جعلوا النّاس ينسون لغة الاستقلال، وعزّة الحريّة؛ بل جعلوهم لا يعقلون كيف تحكم أمّةٌ نفسها بنفسها دون سلطانٍ قاهر.
وكأنّ المسلمين لم يسمعوا بقول النّبي ﵇: «النّاس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربيٍّ على أعجمي إلا بالتّقوى». وهذا الحديث أصحُّ الأحاديث لمطابقته للحكمة ومجيئه مفسِّرًا الآية ﴿إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ فإنَّ الله جلَّ شأنه ساوى بين عباده مؤمنين وكافرين في المكرمة بقوله: ﴿ولقد كرَّمنا بنيَ آدم﴾ ثمَّ جعل الأفضلية في الكرامة للمتَّقين فقط. ومعنى التَّقوى لغةً ليس كثرة العبادة، كما صار إلى ذلك حقيقة عُرفية غرسها علماء الاستبداد القائلين في تفسير (عند الله)؛ أي في الآخرة دون الدنيا؛ بل التَّقوى لغةً هي الاتِّقاء؛ أي الابتعاد عن رذائل الأعمال احترازًا من عقوبة
1 / 38