* الأسباب والمسببات؟ جمهور المسلمين يرتاب فى هذه الحقيقة المقررة ارتيابا شديدا، حقيقة ارتباط الأسباب بالمسببات ووقوع النتائج عقب انتظام المقدمات، وتصور العامة يتسع لإدراك أن أسباب الهزيمة قد تتوافر كلها ثم لا تقع الهزيمة! وأن النصر قد يتم هكذا اتفاقا من غير دواع سابقة!. وحجتهم فى ذلك أن الأمور بإرادة الله، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ومعنى هذا الكلام فى هذا السياق أن إرادة الله وقدرته تتعلقان بالمستحيل! ولم يقل بهذا عاقل ولا نطق بهذا عالم من علماء المسلمين. إن عموم الإرادة مخصوص بما يوافق الحكمة وإطلاق المشيئة مقيد بما وضع الله لهذا العالم من أنظمة وقوانين، ومن العبث أن نطالب السماء بين الحين والحين أن تفعل ما لا يجوز فعله أو تتدخل فى شئون العالم بما يحيل نظمه فوضى واتساقه اختلالا. وعلينا أن نعرف للأمور مداخلها الصحيحة وأن نأتى البيوت من أبوابها، وقد جعل الله عز وجل لإرادته العليا مفاتيح معينة ثم ألقاها بين أيدى الإنسان، فمن أراد النبات فمفاتحه الزراعة، ومن أراد النسل فمفاتحه الزواج. وهكذا يوجد لكل هدف منشود سبب مقصود. وقد تكون للغاية الواحدة عدة طرق، فيجب الأخذ بها جميعا، إذ يكون السبب الموصل من اقترانها كلها. وقد تكون النتيجة المطلوبة قائمة على جملة أسباب بعضها فى يدنا فلابد من فعله، وبعضها خارج عن طوقنا فهو متروك لله، كتقلبات الجو مثلا للزراعة، وما أشبه ذلك. إن ارتباط الأسباب بالمسببات حقيقة، يعتبر إغفالها حمقا فى التفكير، وخطلا فى التدبير. وقد تأخر المسلمون فى ميادين شتى لأنهم لم يفقهوا هذه الحقيقة التى ترتكز عليها شئون الحياة ويدور محورها أبدا. وقد ذكر القرآن كلمة الأسباب حين أراد النتائج إشعارا بالتلازم الثابت بين الأمرين فقال: (أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب). ص _028
পৃষ্ঠা ২৮