مقدمة
إذا شئت أن تملك سيطرة على الألم فافتح كتابه المبارك وأوغل فيه، ولسوف يتسنى لك بغدق فلسفته أن ترى كل المستقبل والحاضر والماضي، ولسوف تدرك أن كلا من الفرح والترح لا يعدو أن يكون دخانا.
قارئ يوناني للتأملات
1
نفس كبيرة، تنسل كل يوم من ضجيج الجيش ومن عجيج المعسكر على ضفاف الدانوب، لكي تدون خواطرها، في منبلج الصباح، وتسجل خلجاتها وتقيد أوابدها، وتفرغ بعض حين من حكم العالم لكي تؤكد حكمها لنفسها!
ذلك هو ماركوس أوريليوس (121-180م) الفيلسوف الرواقي ورأس الإمبراطورية الرومانية، الملقب ب «الفيلسوف على العرش»؛ إذ تحققت فيه، إلى حد كبير، صورة الحاكم الفيلسوف التي تمثلها أفلاطون في جمهوريته، وكان «الحاكم المطلق» على العالم المتحضر كله آنذاك، وبلغ من الحكمة والأستاذية ما لم يبلغه أحد من معاصريه، وكان مثالا لرقة القلب، وللعدالة التي لا يشوبها شيء اللهم إلا السماحة الزائدة، على حد قول جون ستيوارت مل.
كتب ماركوس هذه اليوميات باليونانية، لغة الصفوة من مثقفي الرومان في ذلك الوقت، ووسمها بعبارة غامضة:
ta eis heauton
وتعني «إلى نفسه»؛ أي إن «الإمبراطور في هذه الصحائف يخاطب نفسه ولا يخاطب جهة أخرى.» تمييزا لها عن الوثائق الأخرى التي تودع في خزانته، ولا هو يبيت في كتابتها نية النشر على القراء، ولا نية التخطيط لمؤلف يتركه لقومه وللأجيال من بعده. (1) لم الكتابة؟!
الكتابة «تضايف»
অজানা পৃষ্ঠা