كذلك اخترع الرواقيون مصطلحات للنحو الذي أصبح لأول مرة على أيديهم ميدانا للبحث العلمي المنظم؛ فأسماء الحالات النحوية اختراع رواقي. وقد وصلت الترجمات اللاتينية لهذه الحالات إلى اللغات الأجنبية الحديثة عن طريق النحويين الرومان، وما زالت تستخدم حتى اليوم.
18
الطبيعيات الرواقية
يستغرق علم الطبيعة في عرف الرواقيين عددا كبيرا من المباحث تشمل الطبيعة وما بعد الطبيعة واللاهوت والنفس. ولدراسة الطبيعة عند الرواقيين غاية أخلاقية بالدرجة الأساس؛ فالأخلاق لا تقوم في فراغ، ومن المحال أن يؤسس الإنسان قواعد للسلوك من غير أن يكون له علم بالعالم الذي يعيش فيه. والرابطة الوثيقة بين الميكروكوزم (الإنسان) والماكروكوزم (العالم) تحتم على عالم الأخلاق أن يدرس الطبيعة والمنطق لكي يبلغ مقصده على النحو الصحيح. فإذا كانت الفضيلة هي الحياة في وفاق مع الطبيعة فمن المتعين على الإنسان أن يلم بهذه الطبيعة التي يتعين عليه أن يعيش في وفاق معها.
ثمة مبدآن أولان في الطبيعيات الرواقية؛ المبدأ المنفعل وهو المادة (بوصفها ماهية غفلا من كل صفة)، والمبدأ الفاعل والإلهي وهو العقل الكامن في المادة ويحدث الأشياء جميعا بإعطائها صورها. وذهب الرواقيون فضلا عن ذلك إلى أنه لا قدرة على الفعل ولا قابلية للانفعال إلا للأجسام؛ ومن ثم فالشيء لا يكون حقيقيا (واقعيا، موجودا) ما لم يكن جسمانيا. وحتى المبدأ العاقل لا يخلو من أن يكون جسمانيا. إنه جسم لطيف يداخل المادة وينساب فيها كما تنساب النطفة في أجسام الكائنات الحية. وقد أغرق الرواقيون في ماديتهم حتى قالوا بأن خواص الأجسام وصفاتها، كاللون والرائحة والطعم والشكل والصوت؛ كلها أجسام، بل إن الصفات الأخلاقية نفسها، كالخيرات والفضائل هي أيضا أجسام! وإذا كان كل موجود جسما فلا وجود للاجسميات. واللاجسميات هي المعاني العامة ، والمعبر عنه (المعنى أو اللكتون) والخلاء والمكان والزمان. وهنا تتورط الطبيعيات الرواقية في ضروب من الغموض والتناقض.
19
وللرواقيين نظرية في الطبيعيات تسمى «المداخلة»
total compenetration
مفادها باختصار شديد أن الأجسام تتمازج وتتداخل بعضها في بعض تداخلا تاما ؛ بحيث يحتوي كل جزء، بمعنى ما، على جميع الأجزاء الأخرى، ويمكن لأصغر الأجسام أن يداخل أكبرها جرما ويجوس خلاله؛ ورب قطرة من الخمر تملأ البحر كله بل العالم أجمع! غير أن الأجسام تظل محتفظة بخواصها كلها؛ فالمداخلة لا تترك علاقة واضحة
asamos
অজানা পৃষ্ঠা