- بسم الله الرحمن الرحيم - [مقدمة المؤلف] الحمد لله الذي أبطل شبه القاصرين عن إدراك اليقين وقطع بما وصل من سلسلة حفظة دينه دابر الكافرين، والصلاة والسلام على من نطق بجوامع الكلم وموجز المقال وبين بمختصر لفظه سائر الأحكام من الحرام والحلال وميز بما جاء به بين أهل الحق وفرق الكفر والضلال، وعلى آله وأصحابه نجوم سماء الهداية ورجوم شياطين الغواية صلاة وسلاما دائمين إلى النهاية. أما بعد، فيقول الفقير إلى لطف الله تعالى الهادي محمود شكري بن السيد عبد الله بهاء الدين بن العلامة المفسر الشهير أبي الثناء السيد محمود شهاب الدين الحسيني الآلوسي البغدادي: إن أشرف ما يتعاطاه الإنسان ويصرف فيه نفائس الأوقات والأزمان هو الاشتغال بالعلوم الدينية واقتناص شوارد الأحكام الشرعية، سيما ما يتعلق برد شبه أهل البدع والأهواء ويدمغ أم رأس الزائغين عن المحجة البيضاء. ألا وإن أضرهم على الإسلام وأجرأهم في الهجوم على حمى محارم الملك العلام فرق الروافض المتمسكين بكل ما يناقض الدين المحمدي ويعارض، فهم الأولى بإعداد العدد والأحق ممن خالف أهل الحق بما نستمده من كل برهان وسند، فلقد فرقوا عصا المسلمين وأوهنوا الدين المحمدي المبين بدسائس لا تدري اليهود بعشرها وحيل لا تعرف الشياطين على خبثها ومكرها: لقد جربتهم فرأيت منهم ... خبائث بالمهيمن نستجير ولقد أصبح اليوم أعراق قطر العراق مملوّة من سم أذنابهم، فلا ينجع فيه ترياق ولا ألف راق، فقد ارتد غالب القبائل والعربان على أعقابهم ورجعوا -والأمر لله تعالى- على أدبارهم، فرفضوا شعائر الإسلام وأهملوا سائر الأحكام واتخذوا بغض أئمة الدين عبادة وصيروا مقت أصحاب سيد المرسلين وسيلة لنيل السعادة وقعدوا عن نصرة إمام المسلمين في الجهاد، بل عدوا ذلك من باطل الاعتقاد.

1 / 35

فلذا ترى أحبارهم ورهبانهم يسرعون إليهم إذا قامت حرب بين المسلمين والكفار، فيعظونهم بالقعود عن نصرة المسلمين وإعانتهم ولو بأقل مقدار. إن سمعوا بنكبة المسلمين كان ذلك أسعد عيد، وإن أخبروا بنصرتهم غشيهم همّ ليس عليه من مزيد. فما أشبه حالهم بما قص تعالى في كتابه من حال إخوانهم اليهود حصب جهنم وحطبها: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾، كل ذلك من إهمال أولي الأمر وعدم المبالاة بهذا الأمر الأمَرّ. فلم يعيّنوا من يلقن عقائد الدين جهلة الناس وعوام المسلمين ولا من يبين لهم الأحكام ويميز لهم بين الحلال والحرام: وتراخى الأمر حتى أصحبت ... هملا يطمع فيها من يراها فإن إزاحة جيوش ظلام الضلال بإيقاد مصباح الهدى والرشاد لا تتيسر من غير مساعدة من ولاه الله تعالى زمام أمور العباد. ومع ذلك إن من وقف على ما انطووا عليه واطلع زيغهم وضلالهم وشبههم فيما ذهبوا إليه ظهر له أنهم ليسوا على شيء وتبين لديه أن ما هم عليه ضلال وغي، فيستمسك المؤمن بعرى دينه ويعض بنواجذه على إيمانه ويقينه. وقد أُلف في إبطال مذاهب هذه الفرقة السالكة طريق الردى والفئة الزائغة عن منهج الهدى كتب تصدع بالحق وتنطق بالصدق وتقلع أساس الكفر من محله وتستأصل عرق الرفض من أصله. غير أن البعض منها فيه إطناب ممل، والبعض الآخر فيه إيجاز مخل. ولقد لخصت فيما مضى ترجمة التحفة الاثني عشرية بألفاظ موجزة وعبارات مرضية. وقد ظفرت في هذه الأيام بكتاب الصواقع المحرقة لإخوان الشياطين والزندقة لخاتمة فحول الأنام وشيخ العلماء الأعلام فريد دهره ووحيد عصره: نصير الدين الشيخ

1 / 36

محمد الشهير بخواجة نصر الله الهندي المكي ابن العلامة جامع المعقول والمنقول حادي الفروع والأصول خواجة محمد سميع الشهير بمولانا برخور ولد الحسيني الصديقي، سقى الله ثراه صيب رحمته وأسكنه جل شأنه فسيح جنته. فرأيته كتابا تشد إليه الرواحل وتقطع دونه المنازل. وهو أشبه شيء بالتحفة الاثني عشرية وأوفقها بجميع ما انطوت عليه من كلية وجزئية: فإن لم يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها غير أن فيه بعض زيادات تعد من جمة الإفادات. وكان مفتقرا إلى الإيجاز وتبديل بعض عبارات فيه كالألغاز، حيث أن المؤلف رحمه الله تعالى أدى غالب مقاصده بألفاظ غير مأنوسة الاستعمال وكلمات لا تكاد تعرف إلا بمراجعة كتب اللغة وكملّ الرجال. وقد اشتملت مع ذلك على ذكر حكايات لا تفيد شيئا لدى الخصام والمشاجرات وعلى عبارات لا دخل لها في المقصد ولا تعرض لها في دفع الخصم الألد. فأحببت أن ألخصها ليعم نفعها وأختصرها كي يسهل أخذها ونقلها. وسميت ما كتبته واختصرته ولخصته "السيوف المشرقة ومختصر الصواقع المحرقة". والله سبحانه الميسر وهو المعين وبه جل شأنه في كل الأمور نستعين.

1 / 37

المقصد الأول في بيان سبب ظهور الرافضة وسبب افتراقهم وعدد فرقهم وبيان أول من لقب بالشيعة ومدتهم وذكر مكائدهم وغير ذلك مما سيجئ إن شاء الله تعالى في فصول متعددة

1 / 39

الفصل الأول في بيان مبدأ ظهور الرافضة اعلم أن الله تعالى لما فتح بلاد الكفار من اليهود والنصارى والمجوس وعباد الوثن والنار على أيدي أصحاب رسول الله ﷺ وأيدي من اتبعهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم وشرفهم وعظمهم وكرمهم، وهلكت أعداء الله بسيوفهم القاطعة وأسنتهم اللامعة وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله، ذلك بما قدمت أيديهم من معصية خالقهم عز اسمه وجل علاه؛ تستر من تستر منهم بإظهار الإسلام وجعله جنة لرشق مصيب السهام، فأظهروا الانقياد والإيمان وأبطنوا الضلال والكفران، ومع ذلك فهم لم يألوا جهدا في إعداد ما يطفئ نور الله الذي أراد ظهوره، وأنى لهم ذلك ويأبى الله إلا أن يتم نوره. فكان الدين المحمدي إذ ذاك في ترقٍ واستظهار، وكلمة المسلمين غير مختلفة ويدهم واحدة على الكفار، فلم يحصل مراد المنافقين من تشتيت شمل الموحدين، ولم يتيسر لأولئك الأشقياء إلقاء العداوة بينهم والبغضاء، حتى خرج أهل مصر بتقدير العزيز العليم على ثالث الخلفاء ذي النورين عثمان بن عفان المبشر على بلوى تصيبه بجنات النعيم. فانتهز المنافقون إذ ذاك فرصة الظفر بمقاصدهم ونيل أوطارهم ومرادهم فاتبعوا أولئك المارقين، واتفقوا مع الخارجين وحملوا حينئذ على قتل عثمان وسقيه كأس المنون، فقتلوه قاتلهم الله أنى يؤفكون. فحل بالمسلمين من البلاء ما حل، والأمر كله لله ﷿. وبعد أن استشهد رضي الله تعالى عنه بويع لعلي كرم الله تعالى وجهه بالخلافة، وكان أهلا لذلك، فقد اختاره للإمامة من اختار أسلافه. وقد خرج عليه من خرج وبغى عليه من بغى ممن أخطأ في ذلك المنهج، فسمي حينئذ من تابع الأمير بشيعة علي ذي القدر الخطير، وكانوا على اعتقاد أهل الحق، ثم تابعهم المنافقون ومن خرج على عثمان واختلطوا جميعا وقيل للكل شيعة علي. وكان من جملة المنافقين عبد الله بن سبأ اليماني الصنعاني. وكان أول أمره

1 / 41