تَوْبة الثقفي نزيلِ قزوين، ولكنه آثر تركَ الوطن وطِيبِ المُقام في بلده قزوين التي كانت ذات طبيعة خَلّابة، ورحل إلى أقطار بعيدة، وأمصار نائية، وحَرَصَ على الالتقاء بأكابر أهلِ العلمِ فيها، فارتحل إلى الريِّ وسَمِعَ بها مِن الحافظ محمَّد بن حُمَيد الرازي، وإلى نيسابور وسمعَ بها من الحافظ محمَّد بن يحيى الذُهْلي، وإلى العراق وسَمِعَ بها من ابني أبي شَيْبة أبي بكر وعثمان، ومِن أحمد ابن عَبْدة وزهير بنِ حرب، وإلى الشام وسَمِعَ بها من هشام بنِ عمار ومحمد بن المصفَّى ودُحَيم، وإلى مصر ولقي بها أبا طاهر بن السًرْح، ومحمدَ بنَ رُمح ويونس بن عبد الأعلى، وإلى الحجاز وسمع بها من ابن أبي عمر وأبي مروان العثماني بمكة، وبالمدينة من إبراهيم بن المنذر الحِزامي وأبي مصعب الزهري (١).
وقد تمَّ له ذلك وهو في ريعان شبابه، واكتمال قوته، نتبيَّن ذلك مِن سماعه من الشيوخ الذين تقدَّمت وَفَياتُهم، كزهير بن حرب، ومحمد بن عبد الله بن نُمَير، وكانا بالعراق، وقد تُوفِّيا سنة (٢٣٤ هـ)، وبذلك يكون عمره حين سمع منهما خمسًا وعشرين سنة والله أعلم.
وقد التقى في رحلته هذه بعددٍ من الفقهاء أيضًا، كحَرْملةَ بنِ يحيى التُجيبي والربيعِ بنِ سليمان المُرَادي صاحبَي الإمامِ الشافعي ﵀، ويونس بن عبد الأعلى الفقيه المالكي، وكان هذا الأخيرُ أيضًا مِن شيوخ الإقراء على قراءتي نافع بن عبد الرحمن
_________
(١) "تاريخ دمشق" لابن عساكر ٥٦/ ٢٧١، و"التدوين" ٢/ ٤٩ - ٥٠، و"التقييد لمعرفة السُّنن والمسانيد" لابن نقطة (١٣٧).
مقدمة / 11