إن تاريخ هذه الأمة الكبيرة الحافل بالعبر التي تكاد تغني عن عبر التاريخ كله، وأولها عبرة الثقافة المستقلة.
فالثقافة المستقلة قوة ومفخرة، والثقافة المستقلة ضعف ومهانة، وفي التاريخ أمثلة كثيرة على هاتين الحقيقتين، ولكن ليس منها مثال أجسم ولا أجلى من مثاليهما في تاريخ الصين الحديث.
كانت أمة مستقلة الثقافة، وكانت تفخر بهذا الاستقلال، ويحق لها أن تفخر به على من حولها؛ لأنها لم تكن ترى حولها غير الهمجية والبربرية والجلافة والجهالة، وكانت هي قد كشفت الإبرة المغناطيسية والورق والمطبعة والبارود وصناعة الحرير والأنسجة والعملة الورقية، وملأت خزائن الكتب بتصانيف الحكمة والمعرفة وآداب السلوك، وكان كل من يغشاها من الخارج يعزز رأيها ويزيدها احتقارا لغيرها واغترارا بمناقبها وفضائلها، ومن جاءها زائرا من أهل الاطلاع والاستطلاع لم يجد فيها علما أرفع من علم بلاده وعاد وهو يعجب بها كما تعجب بنفسها.
وظلت على هذه الثقة بارتقائها، فظلت هذه الثقة قوة لها وحقا صحيحا من حقوقها.
فلما جمدت ثقافتها لاستقلالها بنفسها، وتقدمت ثقافات الأمم الأخرى لتجاوبها وتنازعها وأخذ المتأخرين من المتقدمين فيها، صارت الحال بها إلى نقيضها، وأصابها من تلك الثقة كل سوء تخشاه، وهي لا تعلم مبعثه ومأتاه.
ترفعت عن التعلم من غيرها، وجاءها الرحالون الغربيون من طلاب الغنائم والفرص، فشهدت من أخلاقهم ما لا يشجعها على محاكاتهم والاقتداء بهم: غش وإسفاف وعربدة وتهالك على المنفعة، ورضى بالدنس طمعا في الغنيمة، وغلظة تبدو للصيني المهذب على الخصوص؛ لأنه عاش على آداب السلوك وجعلها قوام الأدب كله وشرط الحضارة الأول في كل إنسان على نصيب من الكرامة.
وإلى هنا كانت على حق في اغترارها بثقافتها واستقلالها بعلومها ومعارفها.
ولكنها شهدت إلى جوار ذلك ما يوقظ نائم الكهف لولا أن نوم الغرور أثقل من نوم الكهوف.
شهدت على مقربة منها في الهند شركة تجارية تدك عروش الدول العريقة بسلاح البارود الذي هي كشفته وهي أولى باستخدامه.
وشهدت فئة من سياح البرتغال في أرضها تستخدم المدفع فتهزم به الجموع الكثيفة المتألبة عليها.
অজানা পৃষ্ঠা