فالأمة التي تصبح فيها مسائل السلوك دينا مرعيا لا نعجب فيها من المغالاة بالأناقة ودلالات الترف والدلال، ومنها أناقة المرأة وتلطيف جوارحها وأعضائها، فإذا ثبت فيها المجتمع على ديدن المحافظة آلاف السنين؛ فيكفي فيها أن تظهر البدعة جيلا واحدا حتى تتوارثها منه الأجيال أعقابا بعد أعقاب.
أما عادة الإزراء بالجندية فلها جملة أسباب خاصة بالصين في تاريخها القديم: منها أن أهل الصين لم يشهدوا من الجندية إلا جانبها الذي يغري بالإزراء والجفاء؛ إذ كانت صناعة الجندية صناعة المرتزقة في الحروب الأهلية، يعمل فريق على قتل فريق من أبناء الوطن الواحد، وقلما عملوا في دفع الغارات الأجنبية التي من أجلها عظم الناس الجندي وهو يواجه الموت في الذود عن قومه ووطنه، ولهذا تواتر المثل القائل إن الحديد الجيد لا يصنع منه مسمار والإنسانية الجيدة لا يصنع منها جندي، ولا يقصدون بذلك إلا طائفة الجند الذين لا مرتزق لهم من صناعة ولا دراية إلا أن يبيعوا أنفسهم لكل من يعطيهم رزقا في سبيل أطماعه وأهوائه.
ومن أسباب هوان الجندية عندهم أن عهد الإقطاع كان قائما على القادة في كل إقليم، فلما قضي على هذا العهد جعلوا الولاية فنا يتولاه الأصلح بالامتحان، وساعدهم على ذلك تقديس الحكمة في صورة الأبوة، فأصبحت الطاعة للحكيم الخبير عادة غير مستغربة بعد الطاعة للآباء المجربين والأجداد المقدسين، وقد عانى زعماؤهم المعاصرون أشد العناء في تشجيع شبانهم على الأعمال العسكرية التي ساءت ظنونهم بها عشرات الأجيال، فلم يقبلوا عليها إلا بعد ضربات الهزيمة المتوالية، وبعد أن علمتهم هذه الضربات أن الهوان لاحق بهم بين شعوب العالم، ومنها الشعوب التي كانوا يحتقرونها ويترفعون عنها، ما لم يقوموا هذه القيم من جديد.
ولصقت بأهل الصين عادة التخاطب بالعبارات المصطلح عليها؛ لأن الكتابة عندهم هي في الواقع قوالب منقوشة تتكرر بدلا من الحروف في الكتابات الأخرى؛ ولأنهم أهل مراسم وأنظمة موروثة يحفظها أصحاب القصور، ويقتدي بهم الخاصة فمن دونهم إلى العامة ودهماء السوقة، والناس على دين ملوكهم، ولا سيما الملوك أبناء السماء.
ومن عاداتهم العقلية حب المقابلة والتناسق في التفكير، يملكهم النسق حتى يذهلهم عما وراءه من النقائض الخفية، ولم يفلح في مخاطبتهم من لم يفطن إلى هذه العادة العقلية فيهم، وبخاصة وعاظ الأديان.
قال الأب ليكونت (Le comte)
في كتابه ذكريات السياحة عشر سنين في الصين: «إنهم على الخصوص يؤخذون جدا بالمقارنات والحكايات ذات المغزى والمرويات التاريخية، وهم على كونهم لم يألفوا تلك السورة أو تلك الحمية التي نألفها في وعاظنا، تراهم تجيش نفوسهم حين يخاطبون بلهجة الجد والاكتراث.»
وهذا أيضا أثر من آثار الحكمة الطويلة التي تلخصها كلمة «الاتزان» وأثر من آثار الحوادث التي عودتهم أن يتريثوا ولا يندفعوا، وأثر من آثار الولع بالرسم والتنسيق في الكتابة والتصوير والنسيج والشعائر والمجاملات. •••
لوحظ في بيئات الحجاب والصيانة المفرطة أن الفتاة إذا زلت في هذه البيئات خرجت من كل عنان؛ لأن المنزلة الوسطى بين الحجاب الشديد وبين الجماح المطلق غير موجودة.
ويصح أن يلاحظ مثل هذا في ثورات الأمم التي ريضت على الاتزان والنسق المطرد، فإنها إذا ثارت ثارت بعد بطلان كل حيلة، فليس أصعب من إثارتها إلا أن تكبح ثورتها حين تخرج عن عقالها.
অজানা পৃষ্ঠা