مصانع الدولة: ويومئذ يتسنى لنا أن نجتهد لتحقيق رجاء كنفشيوس في الأسرة القومية الكبرى.
وكل كلام عن مبدأ المعيشة فحواه أن يحصل الملايين الأربعمائة على طعامهم بالثمن القليل، فلا تعتبر مشكلة المعيشة محلولة حتى يتوافر الطعام الصالح بثمن ميسور.
من أمثلة الصين: «سبعة أشياء تشغل بالك حين تفتح بابك في الصباح: الوقود والأرز والزيت والملح والفول والخل والشاي!»
وقد كانت الصين من أقدم العصور أمة زراعية صناعتها الكبرى لتحصيل القوت هي الزراعة، وقوام الزراعة هم الفلاحون الذين ينهكهم العمل وتتوقف على حمايتهم بقوة القانون جودة المحصول ووفرة الأرزاق، ومن قسمة الصين أنها خلت من كبار الملاك ولا يزال تسعة أعشار أبنائها بغير أرض يملكونها، فأكثر الأرض يملكها أناس لا يزرعونها بأنفسهم، ومن العدل أن يزرع الفلاح أرضا يملكها وينتفع بمحصولها، إلا أن الفلاحين اليوم يزرعون لغيرهم ويذهب من محصولهم أكثر من نصفه إلى أيدي الملاك، وبحل هذه المشكلة يرتبط حل مشكلة المعيشة كلها، فقد دلت الإحصاءات الأخيرة على أن الزارع لا يحصل من أرضه على أكثر من أربعين في المائة، ويذهب سائره إلى المالك الذي لا يزرع.
وليس يكفي عند تناول مسألة الإنتاج الزراعي أن نجتهد لتحرير الفلاح، بل علينا مع هذا أن نجتهد لمضاعفة الإنتاج بالوسائل العلمية، وخلاصتها استخدام المكنات والاستعانة بالأسمدة والمخصبات ومناوبة الغلات والمحاصيل واستئصال الآفات وتنظيم المعامل والتصدير واتقاء الأزمات.
وعلينا أن نسأل: هل تعتبر مشكلة المعيشة محلولة إذا تحققت جميع هذه الجهود؟
أبادر فأقول: كلا، إذ ليست يسرة الإنتاج مغنية عن تنظيم التوزيع والتقسيم، ويتعذر الإنصاف في التوزيع والتقسيم مع عدم الاتحاد.
إلا أننا نتعزى بأن المحنة التي نحن فيها عارض زائل ونؤمن باتحادنا في المستقبل، وأننا سنحل مشكلة المئونة بتنمية رأس المال وترقية الصناعة، فنبدأ من المواصلات من سكك حديدية وطرق نهرية، ثم نفتح المناجم التي تخفيها الأرض مع الأسف على وفرتها في أرض الصين، ثم نلاحق ذلك ببناء المصانع والمعامل، وعندنا وفرة من الأيدي العاملة، ولكننا لقلة المكنات لا نقوى على منافسة الأمم الأخرى، والسلع التي تستنفدها الصين تصنعها الأمم الأخرى وتتولى تصديرها إلينا لحسابها، فلا جرم تستنزف حقوقنا الاقتصادية ومرافقنا وتمتصها شيئا فشيئا، ولا نستطيع نحن أن نوقف هذا الدم المنزوف ونسترد حقوقنا ومرافقنا إلا إذا سخرنا قوى الدولة لترقية الصناعة، واستخدام المكنات في الإنتاج وتوفير العمل لجميع الأيدي الصالحة له في الأمة، ومتى اشتغل العمال جميعا وأتقنوا إدارة المكنات والآلات لإنتاج السلع تجدد للصين ينبوع عظيم للثروة، ولا محيص من ولاية الدولة لهذا العمل؛ لأن الإشكال فيه على الأمراء والوطنيين والأجانب يوشك أن يسفر عن طبقة مفرطة في الغنى يعقبها التفاوت البعيد بين حظوظ الناس من الغنى.
لا محيص إذن من حصول الدولة على رأس مال، وما معنى ذلك؟ معناه البسيط إنشاء الصناعة القومية، وعلى الدولة أن تعطي القدوة في مشروعات الأعمال الكبرى، وأن تدير أنواعا من المكنات المنتجة التي تدخل في ملك الدولة، وهي إذا تمكنت من تنمية رأس المال القومي ونفع الأمة بثمراته فقد أمكنها أن تتجنب خصومات رأس المال.
وسيكون دخلنا عظيما من الصناعات الثلاث! صناعة المواصلات وصناعة المناجم وصناعة المعامل، وستكون مزاياها ومنافعها مشاعة بين الأمة قاطبة، وسيحصل كل صيني على حصة من أرباح رأس المال فلا يضيره رأس المال كما يضير أناسا من أبناء البلاد الأجنبية التي ينحصر القسط الكبير من رءوس أموالها بين الأيدي الخاصة.
অজানা পৃষ্ঠা