فأجاب عيسى بوجوم: بورسعيد تقوم، والعالم ثائر! - هم يتكلمون ونحن نضرب. - نعم، وما العمل؟
فهتفت بنرفزة: لكن لا بد أنه يوجد حل، أي حل، وإلا تحطمت أعصابي.
وأعصابه أيضا على أبواب التلف؛ الحزن والظلام والسجن. وألهمه الظلام بالاندفاع نحو أمل النصر. أشياء كثيرة ذابت في الظلمة فنسي الماضي والمستقبل وتركز في نشدان النصر، ولعل تعذر مغادرة البيت ليلا أتاح له فرصة أكبر لتأمل الموقف وللتشبع بالخطر، والحنين للنصر، وإسكات شطره الخفي، فتحرك في أعماقه نبع للحماس أوشك أن يدفعه إلى التضحية. وعند تسكعه نهارا قرأ في مئات الوجوه مشاعر كالتي تشده إلى الحياة رغم الغبار والفناء وشائعات الأنانية، أمسى كالغريق لا يفكر إلا في النجاة، وخيل إليه أن الحاجز القائم بينه وبين الثورة يذوب بسرعة لم تخطر ببال من قبل.
وزاره إبراهيم خيرت عصر يوم في طريقه إلى مكتبه في المدينة. بدا شديد الثقة بنفسه، جادا، وقال: إن هي إلا ساعات ثم تنتهي المأساة.
فحدجه بنظرة ذاهلة من عينيه المستديرتين، فقال الآخر مقطبا بدافع من إحساس بالسيادة: بعض رجالنا يقابلون المسئولين في هذه اللحظة ليقنعوهم بالتسليم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
خيل إليه أنه يرى موكب المندوب السامي كما كان يراه في الماضي، وتساءل: ماذا سيبقى ليمكن إنقاذه؟ - لا تغال في التشاؤم.
ثم استدرك حانقا: أتعس الناس الذين يستوي لديهم الموت والحياة.
فقال عيسى في غم: كأشباح الكابوس.
فقال إبراهيم خيرت بحدة: نحن في حال تهون معها الهزيمة. - سنتعب كثيرا إذا حاولنا إحصاء متاعب البشر، وإني لأتساءل: هل الحياة صالحة حقا للبشر؟
فهز إبراهيم خيرت منكبيه في استهانة، فعاد الآخر يقول: ربما كان التعلق بالحياة رغم آلامها نوعا من الحماقة، ولكن ما دمنا أحياء فيجب أن نحارب كافة السخافات بلا توان.
অজানা পৃষ্ঠা