في جو يونيو المشبع بالدفء يحلو المجلس على طوار البوديجا، وبخاصة عندما يحمل المساء نسمة لطيفة، وقد يسود الصمت عند مرور حسناء ولكنهم لا يشبعون بحال من حديث السياسة، وبالرغم من المركز الذي يشغله عباس صديق في الحكومة والمكانة التي يحتلها إبراهيم خيرت كمحام وكاتب من كتاب الثورة فإن موقفهما لم يختلف في شيء عن موقف عيسى أو حتى سمير عبد الباقي الجانح إلى الهدوء، وقد لخص إبراهيم خيرت شعورهم العام بكلمة من كلماته إذ قال: تكون في فمك وتقسم لغيرك.
وطبعهم الاستسلام بطابعه، ولكن الأمل في معجزة ليست في الحسبان لم يمت، ومن أتفه الأحداث يتلقفون أحيانا ما يبعث في موات نفوسهم نفضة حياة غامضة، ومن عجب أن إبراهيم خيرت وعباس صديق يثبتان بصورة مستمرة أنهما أشد تذمرا من عيسى نفسه وقد قال لهما ضاحكا: أنت كاتب كبير وأنت موظف كبير فماذا تريدان؟
فقال عباس بصوته الرنان المنسجم تماما مع جحوظ عينيه وبريقهما: الحالة الخاصة مستكنة ولا شك، ولكنها لا تتغير من النظرة العامة.
وقال إبراهيم خيرت: الحقيقة أنه لا قيمة لإنسان اليوم مهما علا شأنه، نحن بلد الفقاقيع.
فقال عباس: كنت وأنا في الدرجة السادسة لا غير في حكم وزارة بأكملها.
وقال سمير عبد الباقي باستسلام مريح: لم يعد يهمني شيء البتة! - يمكن أن يعتبر موقفك أشد تطرفا منا جميعا!
فسارع إلى إصلاح رأيه قائلا: أعني لم تعد تعذبني الحسرة على ما فات، وأحيانا أدعو لهم بالتوفيق، ولا تهمني غربتي لأنني اخترتها.
فداعبه عيسى قائلا: قل إنها فرضت عليك. - ولكنني اخترتها في نفس الوقت، ولتكن مشيئة الله .
وربت إبراهيم على كتف عيسى قائلا: وأنت لم لا تتكلم؟ ألا جديد عندك؟
فقال عيسى ببساطة: علقت منذ أيام إعلانا على باب بيت المرحومة الوالدة «للبيع». - بيت قديم لكنه صقع!
অজানা পৃষ্ঠা