لاحت القهوة لعينه بابا مضاء يكتنفه الظلام والصمت فقال: لم أرها في سيري! - يراها عادة من يقصدها.
ثم وهي تضحك: سيجارة؟
وأشعلا سيجارتين، ولم يجد شيئا يقوله فهمس: بنا ...
وسارا جنبا إلى جنب في الطريق المتفرع عن الكورنيش وتأبطت ذراعه، فعبس في الظلام، وتذكر سلوى فاستفحلت عبوسته، وقال لنفسه: «فليحتكموا إلى انتخابات حرة إن كانوا صادقين!»
15
استيقظ حوالي الظهر فنظر إلى النائمة إلى جانبه باستغراب ثم سرعان ما أطبقت عليه ذكريات الليلة الماضية، وقال إنه ما دام هنالك نسيان وعادة فكل شيء ممكن، وتفحصها وهي شبه عارية بنظرة باردة وقلب خامد وازدراء لكل شيء، شفتاها ممتلئتان ومنفرجتان عن أسنان دقيقة مرسومة بعناية، وقد مال رأسها إلى كتفها الأيمن، وفضح النوم حقيقة شعرها فبرز جفافه وخشونته وتمرده، ومن التناقض الغريب حقا أن جمع كائنها بين أهداب مسترسلة فاتنة وبين كعبين متشققين كضفدعتين، وتزحزح إلى الأرض ثم ذهب إلى الحمام، ولدى عودته وجدها جالسة في الفراش وهي تتثاءب ثم رفعت إليه عينين ثقيلتين جميلتين فعزم على أن يتخلص منها في أقرب فرصة، فقال: عندي ميعاد ويجب أن أذهب.
فحدجته بنظرة مترددة ثم غادرت الغرفة، وفتح باب الشرفة فتدفق هواء قوي ولكنه لطيف مشبع برائحة البحر ودفء الشمس الساطعة في كبد السماء، وراح يرتدي ملابسه وهو يرنو إلى البحر الذي دبت فيه حركة مليئة بالاندفاع، وانتشرت على مدى سطحه خطوط الرغاوى كأفواه ضاحكة. وطال الوقت وهي في الحمام - كما ظن - فخرج إلى الصالة ليفتح الراديو، فوجدها عاكفة على تنظيف البيت وترتيبه بهمة عالية، فقال لها: أشكرك، ولكن دعي هذا للبواب؛ لأنه آن لي أذهب.
فقالت ويداها لا تمسكان عن العمل: تفضل! - ولكن .. متى ترتدين ملابسك؟
فجلست على مقعد كبير في الصالة وابتسمت. - أنت كسلانة، ولكن عندي موعد!
فسألته برقة: أتقيم وحدك؟ - نعم .. ولكن هيا بنا!
অজানা পৃষ্ঠা