قد ثبت بالبرهان الصادق ان الإنسان من بين سائر الحيوان ذو فكر وتمييز ، فهو أبدا يختار من الأمور أفضلها ، ومن المراتب أشرفها ، ومن المقتنيات أثفسها ، إذا لم يعدل عن التمييز في اختياره ، ولم يغلبه هواه في إتباع أغراضه ، وأولى ما اختاره الإنسان لنفسه ، و لم يقف دون بلوغ غايته ، ولم يرض بالتقصير عن نهاية تمامه وكماله ، إذ هو من تمام الانبسان وكماله ، أن يكون مرتاضا بمكارم الأخلاق ومحاسنها متنزها عن مساوئها ومقابحها ، آخذا في جميع أحواله بقرانين الفضائل عادلا في أفعاله عن طرق (1) الرذائل ، وإذا كان كذلك فقد وجب عليه أن يجعل قصده اكتساب كل شيمة سليمة من المعائب ، ويصرف همته في إقتناء خيم(7) كريم خالص من الشوائب ، وأن ييذل جهده في اجتناب كل خصلة مكروهة ، ويستفرغ وسعه في إطراح كل خلة مذمومة حتى يحوز الكمال بتهذيب خلائقه ، ويكتسى حلل الجمال بدمائة شمائله ، فإنه إذا حاسب نفسه ، وأجاد فكره ، علم أن الضرر في مساوئ الأخلاق أكثر من النفع ، وأن الذي يعده نفعا، وليس هو نفعا على الحقيقة هو يسير جدأغير باق ولا مستمر ، وأن هذا اليسير الذي يعده نفعا ، لايفي بالضرر الكثير ، والعار الدائم المتصل ، ويعلم أيضا أن الشرور والخبث يجلبان غلبة الشر ويوحشان منه الناس ، ألا ترى أن من تشرر قصده الناس بالشر واستعدوا لأذيته ، واحترزوا منه ، وكرهوا نفعه ، وحظروا عليه وجوه الخير فقد بان بما ذكرنا فضيلة الخخلق الجميل ورذيلة ضده .
فأما مراتب الناس في قبول هذا الأدب ، الذي سميناه خلقسا والمسارعة إلى تعلمه ، والحرص عليه فإنها كثيرة ، وهي تشاهد وتعاين فيهم ، وخاصة في الأطفال فإن أخلاقهم تظهر فيهم منذ مبدأ تشوئهم ، ولا يسترونها بروية ولا مكر كما يفعل الرجل التام الذي انتهى في نشوئه وكماله ، إلى حيث يعرف من نفسه ما يستقبح منه ، فيخفيه بضربه من الحيل ، والأفعال المضادة لما في طبعه ، وأنت تتأمل من أخلاق الصبيان واستعدادهم لقبول
পৃষ্ঠা ৪৩