সুলতান মুহাম্মদ ফাতিহ
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
জনগুলি
فعمل أولا على استقرار الأمور في أراضي الدولة العثمانية. فأقر من عاونوا أباه في الحكم كما ذكرنا، وتخلص ممن ظن أنهم سيوجدون له مشاكل عاجلة أو آجلة أو سيكونون مصدر ثورات عليه في المستقبل، فهو يؤمن بضرورة استقرار الملك قبل كل شيء مهما بذل في سبيل ذلك من تضحيات ومهما أراق في سبيل ذلك من دماء. فماذا يهم في نظره دماء جملة أشخاص في سبيل القيام بمهمته العظيمة، وهي مهمة ترفع من شأنه، وتخلد ذكره، وترقى بمركز الإسلام.
ولم يغفل السلطان محمد الثاني الوسائل السياسية، فالأمور الدولية تحل بوسائل السلم كما تحل بوسائل الحرب، وكل منهما له وقته المناسب وظروفه الخاصة، ولا بد من تأمين حدوده وإسكات أعدائه. ولذا أخضع الثورات في ولاية قرمان، وعمل على استصلاح النفوس في آسيا الصغرى، هذا في ممتلكاته الآسيوية. أما في أوروبا فلقد عقد صلحا مع أكبر عدو وأخطر منافس للعثمانيين في البلقان، وهو هونيادي المجري، صلحا يضمن به السلام على حدوده لمدة ثلاث سنوات. وهو وإن لم يكن يثق كثيرا في مثل هذه المعاهدات إلا أنه يعرف أن موقعة ورنه ثم موقعة قوصوه في عهد أبيه الغازي قد أعطتا لهونيادي المجري درسا قاسيا لن ينساه، فلقد أضعفتا قوة المجر إلى درجة لا تجعلها تفكر جديا في الحنث بالعهد أو النكث بالاتفاق أو الانتقام.
وبين السلطان محمد الثاني في نفس الوقت أنه لا ينوي الغدر بالإمبراطور البيزنطي، وهدأ من روع صقالبة البلقان الذين كانوا قد ذاقوا من قبل سيوف العثمانيين.
وإذا كان السلطان محمد يستخدم الوسائل الدبلوماسية لخدمة أغراضه، فما كان الإمبراطور البيزنطي بمغفلها، فقسطنطين شخصية عظيمة، جم النشاط، عظيم الصبر، بطل من أبطال العصر، ولكن مولده لم يكن سعيدا وطالعه لم يكن ميمونا، وصفقته بإرث بيزنطة ومصائبها وآلامها كانت صفة خاسرة. ضحى قسطنطين أولا بالأرثوذكسية حتى يقنع الغرب بمساعدته في أزمته، وحلول التزوج إلى الغرب حتى يوثق أواصره به، ولم يكن هذا الزواج أول زواج أو ثانيه لذلك الإمبراطور الشجاع التعيس الحظ.
وفي أثناء ذلك كان السلطان محمد الثاني قد ثبت قواعد ملكه في آسيا وفي أوروبا، وكان عليه أن ينفذ وصية والده، وأن يحقق رسالته بفتح المدينة الخالدة. فحول مدينة أدرنة عاصمة العثمانيين في أوروبا إلى مصنع هائل للأسلحة، وجعلها مركزا لجيوشه المتجمعة من كل أنحاء دولته، وبنى دار السعادة الجديدة لسبك المدافع الكبار وصنع الأسلحة، واهتم بجعل عاصمته مركزا لتموين جنوده. ثم كان عليه أن ينشئ مركزا جديدا من مراكز قوته في أوروبا، حتى يستطيع الإشراف التام على البوسفور من ناحية الشاطئ الأوروبي.
وكان السلطان بايزيد الأول الغازي قد شيد على ساحل البوسفور الآسيوي حصنا منيعا هو أناضولي حصار لكي يشرف على مدخل البحر الأسود، فالحصن الذي شيده السلطان محمد الثاني - وهو روميليا حصار - بني لكي يواجه ذلك المعقل بحيث يستطيع الأتراك من هذين المعقلين أن يشرفوا إشرافا تاما على البوسفور، وعلى مدخل البحر الأسود. وبذا يسيطرون سيطرة تامة على الطرق الشمالية إلى القسطنطينية.
وهذا المعقل الجديد سيكون مركزا مهما من مراكز العمليات الحربية في أوروبا، ومحطة كبيرة للمعدات والذخائر، وشحنه السلطان محمد بالآلات النارية والمدافع والمرامي الرعدية والمكاحل، وهي مدافع يقول عنها صاحب صبح الأعشى إنه يرمى عنها بالنفط ... وبعضها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تخرق الحجر. وبعضها يرمى عنه ببندق من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصري إلى ما يزيد على مائة رطل. وبهذا المعقل يستطيع السلطان بسلام تام وأمان نقل رجاله ونقل المؤن الحربية والعتاد الحربي بسهولة في ذلك الحيز من الماء الذي يقع بين شاطئ البوسفور والذي يبلغ نصف الميل.
وكانت الدولة البيزنطية عاجزة إلى حد أنها كانت ترى تنفيذ مثل ذلك المشروع الضخم، ولكنها ما كانت مستطيعة منع السلطان من إنجازه.
لم يصبح السلطان محمد الثاني بذلك الحصن الحصين مسيطرا على البوسفور فحسب، بل يصبح مسيطرا على بحر مرمرة أيضا؛ ولذا كان يؤمل أن يكون في مقدوره غلق البوسفور، والإشراف على الطرق البحرية المؤدية إلى المدينة من ناحية الجنوب ومن ناحية الشمال، وعزلها نهائيا بجيوشه البرية، فلا تستطيع استقبال أي مدد أو أية معونة من أي ناحية. ومن الغريب أن ضعف الدولة من الناحية البرية والبحرية وصل إلى حد أن حاول الإمبراطور البيزنطي التقرب إلى السلطان زلفى بإمداد عماله بالمواد الغذائية حتى يسهل إتمام المشروع بسرعة!
واستغرق إتمام ذلك المشروع الكبير بضع شهور. فذعر أهل القسطنطينية وأحسوا بالخطر الداهم يهدد حياتهم ومصيرهم، وشعروا بأن نهاية الدولة آزفة لا محالة. وتكرر احتجاج الإمبراطور على ذلك العمل وأشار إلى أن ذلك العمل ليس وديا بأي حال إزاء دولة تربطها بالدولة العثمانية رابطة الجيرة، ولكن ذلك الاحتجاج لم يكن بذي جدوى إذ لم يستمع إليه السلطان، بل قابله بالتهديد والوعيد، فهو يعلم أن الجيش الإمبراطوري البيزنطي لا يستطيع رد العثمانيين؛ فليست له قوة خارج أسوار المدينة العظيمة، ولقد ذكر السلطان قسطنطين - كما يروي هامر - بأن كل الأراضي الواقعة خارج أسوار القسطنطينية ملك له يتصرف فيها كيفما يشاء، فهو له الحق في كلا جانبي البوسفور الشرقي لأنه يقطنه العثمانيون والجانب الأوروبي لأن البيزنطيين لا يحسنون الدفاع عنه، وأنه مضطر اضطرارا إلى بناء ذلك الحصن، وبين له كيف حاولت الدولة البيزنطية أن تمنع العثمانيين من العبور حين قامت الحرب بينهم وبين المجر في عهد أبيه السلطان مراد الثاني.
অজানা পৃষ্ঠা