وأدرك المستمعون أنه يشير إلى معارفه هو فقال ياسين دون مبالاة: نقيمه هناك ..
وكان أحمد يفكر في الدور المنوط به فقال: لن نتمكن من نشر النعي في جرائد الصباح ..
فقال كمال: جرائد المساء تصدر حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر فلنجعل ميعاد الجنازة في الساعة الخامسة .. - ليكن، القرافة قريبة على أي حال.
وتأمل كمال مجرى الحديث في شيء من العجب. كان الأب في الساعة الخامسة اليوم في فراشه يتابع الراديو أما في نفس الساعة غدا ..! إلى جانب فهمي وابني ياسين الصغيرين. ترى ماذا تبقى من فهمي؟ لم يخفف العمر من رغبته القديمة في التطلع إلى جوف القبر، ترى هل كان الأب حقا يرغب في قول شيء كما تهيأ له؟ ماذا كان يريد أن يقول، والتفت ياسين إليه متسائلا: هل شهدت احتضاره؟ - نعم، عقب انصرافك مباشرة. - تألم؟ - لا أدري، من يدري يا أخي، ولكنه لم يستغرق أكثر من خمس دقائق ..
تنهد ياسين ثم تساءل: ألم يقل شيئا؟ - كلا، والغالب أنه فقد النطق .. - ألم يتشهد؟
فقال كمال وهو يغض بصره ليداري تأثره: قامت أمي بذلك نيابة عنه .. - ليرحمه الله .. - آمين ..
وساد الصمت مليا حتى خرقه رضوان قائلا: يجب أن يكون السرادق كبيرا؛ ليتسع للمعزين.
فقال ياسين: طبعا، أصدقاؤنا كثيرون .. (ثم وهو ينظر نحو عبد المنعم): وهناك شعبة الإخوان المسلمين!
ثم متنهدا: لو كان أصحابه أحياء لحملوا النعش على أكتافهم .. •••
ثم كانت الجنازة كما رسموا، وكان أصدقاء عبد المنعم أكثر عددا. أما أصدقاء رضوان فكانوا أعلى مقاما، ولفت نفر منهم الأنظار بشخصياتهم المعروفة لقراء الجرائد والمجلات، وكان رضوان بهم مزهوا حتى كاد يغطي زهوه على حزنه. وشيع أهل الحي «جار العمر» حتى الذين لم يصلهم به سبب من أسباب التعارف الشخصي، فلم تكد الجنازة تخلو إلا من أصدقاء المرحوم نفسه الذين سبقوه إلى الدار الآخرة. وعند باب النصر ظهر الشيخ متولي عبد الصمد في الطريق، وكان يترنح من الكبر فرفع رأسه نحو النعش وهو يضيق عينيه ثم سأل: من هذا؟
অজানা পৃষ্ঠা