عادة ما تعرف الصوفية بأنها «تصوف» إسلامي يضم مجموعة أساليب يسعى من خلالها المسلمون إلى التواصل الشخصي المباشر مع الله. وعلى الرغم من صحة أن الصوفية تتضمن كثيرا من عناصر التصوف، فإن المدى الاجتماعي الواسع الذي وصلت إليه على مدار قرون توسعها جعلها أكثر من مجرد طريق لنخبة باطنية. أدرك إيه جيه آربري، أستاذ الاستشراق في جامعة كامبريدج، هذه المشكلة في مقدمته للصوفية التي كانت ذات أثر كبير، ورأى أن الصوفية تضمنت طريقا دينيا لكل من جمهور المسلمين من العوام وعدد أصغر من المتصوفين المتسامين.
1
ويرى آربري وكثير من المعلقين المتأخرين أن التوتر فيما بين الصوفية «التصوفية» والصوفية «الشعبية» تكشف من خلال سرد تدهورها؛ فما بدأ كحركة «تصوف» حقيقية لأفراد يسعون إلى الاتحاد الشخصي مع الله، فسد في فترة العصور الوسطى، وتحول إلى تقديس لأولياء أصحاب معجزات لا يمت بصلة للتصوف الصوفي «الحقيقي». وفي هذا الشأن، كتب آربري بنبرة مزدرية فقال: «بمجرد أن أصبحت أساطير المعجزات مرتبطة بأسماء الصوفيين العظماء، كان حتميا أن يستحسن العوام السذج الدجل أكثر من التعبد الحقيقي.»
2
وبالنسبة إلى آربري وكثير ممن كتبوا من بعده، فإن نتيجة هذا النموذج المتدهور أنه بداية من أواخر فترة العصور الوسطى وما بعدها أصبحت الصوفية غير جديرة بالدراسة. وهذا لم يكن على الأرجح إلا مفارقة؛ ففترة العصور الوسطى وفترة أوائل العصر الحديث اللتان شهدتا بلوغ الصوفية أوج التأثير والنجاح، هما بالضبط الفترتان اللتان كانتا موضع تجاهل بوصفهما عصري تدهور ما بعد الفترة الكلاسيكية.
على مدار الثلاثين سنة الماضية، تعرض نموذج الكلاسيكية والتدهور هذا إلى الرفض الكامل، وأسهمت الدراسات الحديثة عن الصوفية إلى حد كبير في الإطاحة بالسرد الكبير الذي قدمه آربري ومنظرو التدهور اللاحقون من أمثال جيه إس تريمينجهام.
3
وعلى الرغم من ذلك، ففي كثير من المناقشات المتعلقة بالصوفية، تظل السمات الأساسية للتوجهات القديمة حاضرة، لا سيما المشكلة المحورية المتعلقة بمدرسة التفسير القديمة المتمثلة في نموذج «التصوف» نفسه. فوفقا لفهم الباحثين الأوروبيين والأمريكيين في أوائل القرن العشرين، اعتمدت فكرة التصوف على تصور للدين؛ عالمي من الناحية الفكرية، وحداثي من الناحية الزمنية، وبروتستانتي من الناحية الثقافية. كانت سلطة التجربة المباشرة التي لا وسيط فيها للفرد المنعزل تعتبر منبع التدين الحقيقي في كل الثقافات وكل الفترات الزمنية.
4
وعلى نسق بروتستانتي مشابه، كان «الدين» نفسه يعتبر فئة منفصلة على نحو صائب (أو على نحو مفضل على أقل تقدير) عن عالم «السياسة» الفاسد. وعندما طبق هذان النموذجان على دراسة الإسلام، كان الصوفي النموذجي في رأي كثير من الباحثين هو النقيض التام للمؤسسة الحاكمة الإسلامية الملتزمة بالشريعة، سواء أكان يعيش في عزلة هادئة بعيدا عن شئون الدنيا، أم كان يقود ثورات تنتهي باستشهاد حماسي.
অজানা পৃষ্ঠা