41
وسيلعب كل جيل من الأجيال المتعاقبة دورا في ترسيخ المصادر الرمزية والمادية للطريقة والمساهمة فيها، فيكبرون جاذبية مؤسسها، ويحشدون الرعاة من أجل تأسيس مساكن جديدة.
عندما أدى استيلاء المغول على بغداد عام 1258 إلى إنهاء نظام الخلافة الإسلامية بعد ستة قرون من ترسيخه، كانت شبكة المريدين المنتسبين لطريقة السهروردي تنتشر بالفعل انتشارا واسعا، وعلى الرغم من أن عمر السهروردي لم يشر بنفسه إلى خلفائه بلقب «خليفة»، فإنه في طريقته وغيرها من الطرق المشابهة، وفي غضون بضعة أجيال، سوف يطلق نواب ورثته على أنفسهم هذا اللقب بالتأكيد.
42
وعلى الرغم من أنه لم يعد يوجد خليفة واحد في بغداد، فقد أصبح يوجد الآن الكثير من هؤلاء الخلفاء في عدد متزايد من المدن، من المغرب إلى الهند، وانتساب هؤلاء إلى «سلسلة» طرقهم قدمهم في صورة ناقلين جذابين يرتبطون مباشرة بالنبي محمد، وقد كانت سلطتهم تظهر من خلال ارتداء أردية مميزة.
43
وعلى الرغم من أن سياق «المؤسس» كان مكونا مهما لأي طريقة، فإن سياقات أجيال الورثة القليلة الأولى، التي أعادت إنتاج تراث المؤسس وشكلته بفاعلية، كانت من ثم أكثر أهمية، في إشارة إلى السبيل الذي من خلاله ظهرت الطرق المنتشرة في عدة مناطق، والممتدة لعدة أجيال مثل الطريقة السهروردية نتيجة للتفاعل التنظيمي والمفاهيمي بين أزمنة وأمكنة مختلفة؛ على سبيل المثال: عند تأسيس أحد مريدي عمر السهروردي، الذي يدعى بهاء الدين زكريا، الطريقة التي ينتمي إليها في مدينة ملتان البعيدة، الواقعة في شمال الهند، جلب معه مكانة بغداد، التي كانت أكثر قوة، على الرغم من بعد المسافة الجغرافية الشاسعة. ومن خلال أدوات طريقته، جلب معه أيضا آليات الالتحاق والتربية من أجل إعادة إنتاج بركة وسلوك أشهر الأولياء في سلسلة الطريقة.
إن النظر للطرق الصوفية باعتبارها نتاج عمل فرد عبقري، وليس نتاج عملية جماعية، لا يقلل منها، بل هو إشارة إلى الطبيعة الجماعية للاستثمارات العاطفية والعملية التي سمحت للطرق بالعمل بكفاءة شديدة في نشر الصوفية في مناطق جديدة. والسبب في ذلك يرجع إلى أن عمليات الالتحاق والطقوس والتعاليم - التي يدخل من خلالها أي مريد جديد إلى طريقة ويتماهى معها - كانت بطبيعتها قابلة للنقل وإعادة الإنتاج، مما سمح لخلفاء الطرق بالانتقال إلى مناطق جديدة، وتأسيس ما يمكن أن نسميه «فروعا» جديدة للطرق. في بعض الحالات، عندما كانت توجد أنماط اتصال منتظمة امتلكت تلك الشبكات قدرا من التماسك التنظيمي الملموس، خاصة عبر طرق التجارة والحج، أو داخل المناطق الجغرافية أو السياسية المحددة بدقة. إلا أنه في معظم الحالات كان مؤسسو وورثة تلك الفروع هم شيوخ أنفسهم، وكانت الطريقة بالنسبة إليهم مصدرا لإعادة إنتاج أنفسهم أكثر مما كانت تسلسل قيادة تنظيمية يخضعون لها. مرة أخرى، يلزم أن نتذكر أنه في هذه الفترة قدمت الطرق آلية ثقافية مفاهيمية بالقدر نفسه الذي قدمت به هيكلا تنظيميا ملموسا. ومن خلال وسائل مشابهة خاصة بتوافق الأجيال المتعددة، ظهرت الطريقة القادرية المسماة نسبة إلى واعظ عام صوفي يدعى «عبد القادر الجيلاني» (المتوفى عام 1166)، والذي كان من بغداد، التي كانت متخيلة قدر ما كانت حقيقية، وانتشرت بعد قرن من نهاية الخلافة إلى سوريا ومصر واليمن، ثم انتشرت في القرون اللاحقة في الهند وجنوب شرق آسيا وأفريقيا.
44
نظرا لأن «السلسلة» التي كان ينتسب إليها المريد الجديد عند التحاقه بالطريقة كان يعتقد أنها تكون قناة ما ورائية تنقل بركة النبي محمد، سواء في أدغال الهند أو في سهوب تركستان؛ فقد قدمت الطرق وسيلة للمريدين كي يعتبروا أنفسهم - على نحو ذي مغزى - مرتبطين بتعاليم وبركة نبي عاش منذ قرون بين أشخاص غرباء أقاموا على بعد آلاف من الأميال. وحتى في المناطق القريبة من المدن المقدسة في شبه الجزيرة العربية مثل مصر وسوريا، جعلت الأمية الجماعية تحصيل المعرفة الدينية منشودا من خلال الأشخاص وليس من الكتب، وقدمت الطرق الآليات التي من خلالها يستطيع الناس أن يقرروا أي المسلمين هم الورثة الشرعيين للنبي محمد. وإذا كانت النظرية القائلة بظهور الطرق الصوفية ردا على إنهاء المغول للخلافة عام 1258 تولي أهمية كبيرة لما كان بالفعل مؤسسة خلافة غير فعالة منذ زمن، وبالنسبة إلى معظم المسلمين بعيدة للغاية، فإنه في ظل غياب مؤسسة تضاهي الكنيسة في المسيحية منحت الطرق الصوفية المسلمين العاديين المنضمين لها كلا من الإطار المفاهيمي والإطار المؤسسي، اللذين من خلالهما ربطوا أنفسهم بمجتمع المؤمنين المعاصر، وبتقليد الأسلاف المباركين الماضي.
অজানা পৃষ্ঠা