16
ومن جانبه، رأى ابن عربي نفسه «خاتم الأولياء» الذي تحقق في كيانه المحيطي إبداع الله اللانهائي تحققا كاملا.
بينما تمثلت أهمية السهروردي في التنظيم المنهجي لأفكار النور في الجيل السابق، فإن أكبر إسهامات ابن عربي هي فكرة «الوجود». فبسبب تأثيره، اندرج الاهتمام الصوفي السابق بالأخلاق العامة والتقوى النافلة والبحث عن معرفة معينة داخل رؤية أوسع للوجود الكوني، كان محور الاهتمام فيها التحقيقات اللانهائية للكائن المبدع. لم يقدم ابن عربي بالضرورة مفاهيم جديدة، ومثل غيره من الصوفيين قبله وبعده، كتب داخل الإطار الخطابي للتقليد الإسلامي، وكانت المواد الخام لأعماله هي القرآن والحديث والمصطلحات الخاصة التي وضعها أجيال الصوفيين الأوائل، وباستخدام هذه المصادر استكشف مضامين «الحديث القدسي» الذي قال الله فيه: «كنت كنزا مخفيا فخلقت الخلق.» وباستخدام المصطلح القرآني «برزخ» - الذي أخذه ابن عربي على الأقل بمعنى «حائل» أو «حاجز» - كون فكرة أن الوجود البشري كان في حد ذاته هذا الحائل بين المادة والروح اللتين كانتا المحورين البعيدين للخلق.
17
ومن ثم، كان الإنسان المكان القرآني المسمى «مجمع البحرين» الذي يمكن أن تجتمع فيه كل مستويات الوجود، وكل أشكال المعرفة، وكل التجارب الممكنة، على نحو لم يكن ممكنا حتى للملائكة (ولهذا السبب، أمر الله الملائكة بالسجود لآدم).
18
وبينما لا يمتلك كل البشر هذه الإمكانيات الرفيعة - التي تفرق العوام عن الأولياء والأنبياء - فإن الأشخاص الذين يمتلكون تلك الإمكانيات هم سبب الخلق؛ لأنهم وفقا لكلمات الحديث القدسي هم من اكتشفوا الكنز الإلهي من خلال إدراك كل إمكانيات أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين. واعتمادا على فكرة السهروردي المتمثلة في عالم المثال الذي يلتقي فيه الصوفي مع عوالم الوجود الأخرى، تحدث ابن عربي على نحو مطول في الفكرة القائلة: إنه من خلال القدرة الخلاقة للخيال وصل الله والبشرية كل منهما للآخر.
19
ونظرا لأنه قيل عنه إنه كان يملأ دفترا في كل يوم من حياته الراشدة، وإن كتاب «الفتوحات المكية» وحده يقع فيما يزيد عن 15 ألف صفحة، فإن حياته المهنية كانت تعبيرا حقيقيا عن الإيمان بالقوة الخلاقة للخيال. وكانت فكرة «أن كل الوجود هو في نهاية المطاف وجود الله» في صميم فكره؛ تلك الفكرة التي تجمع معا الاستقصاءات المتعلقة بالوجود الإلهي، التي رأى أن التاريخ البشري بأكمله يشتمل عليها. أصبحت هذه الرؤية ملخصة في مصطلح «وحدة الوجود»، على الرغم من أن ابن عربي نفسه لم يستخدم هذا التعبير مطلقا، وهذا المفهوم نوع من الواحدية الكونية التي سيلخصها كثير من الصوفيين الفارسيين لاحقا في عبارة: «الكل هو الله!»
وعلى الرغم من أن هذه الأفكار قد تبدو غامضة، فربما كان لها الكثير من الفوائد الاجتماعية الملموسة؛ على سبيل المثال: اعتقد أن فكرة وحدة الوجود آلية تمكين للتناغم بين الأديان مع المجموعات المختلفة التي صادفها المسلمون. وكثير من الشعراء (بمن فيهم ابن عربي نفسه) قالوا إنه إذا كان الله موجودا في كل مكان، فإنه يمكن أن يوجد في مكان عبادة الأصنام مثلما يوجد في المسجد.
অজানা পৃষ্ঠা