على الرغم من كثرة الكتب التمهيدية التي تتحدث عن الصوفية، والتي من بينها العديد من الكتب الرائعة التي تتناول فترات محددة أو معتقدات وممارسات معينة، والتي تجاوزت أخطاء نموذج التصوف القديم الذي تنتقده مقدمة هذا الكتاب؛ فإنه لا توجد دراسة شاملة عن الصوفية تخصص القدر نفسه من القيمة والتركيز لكل فترة من تاريخها. ونظرا لأن هذا الكتاب يستهدف طلبة التاريخ والدراسات الدينية، وكذلك القارئ العادي، فإنه عمل سردي عام ومفسر، يتتبع الصوفية منذ ظهورها وحتى العصر الحديث. وإلى حد كبير، إن النطاق العالمي المتزايد للسرد المقدم في هذا الكتاب يعكس وفرة المعرفة المتاحة حاليا في هذا المجال. ونظرا لأن هذا الكم المعرفي الهائل تتزايد صعوبة تناوله، فقد قدمت مراجع وافية في الملاحظات النهائية؛ كي تسمح للقراء الأكثر اهتماما بالحصول على مزيد من التفاصيل عن أي جزء يهمهم من التاريخ الصوفي. والأهم من ذلك أن محاولة إعادة توزيع الاهتمام على كل الفترات والمناطق تبرز رفضا لفكرة أن الصوفية استقرت في واقع الأمر في «موطن» واحد أو في عصر «كلاسيكي» واحد دون غيره. أوضح في المقدمة أنه من الأفضل فهم الصوفية في ضوء مظلة «التقليد» بدلا من «التصوف»؛ فنظرا لأن التقليد بطبيعته هو كل ما يتوارث عبر الزمان والمكان، فإن أي محاولة صادقة لتتبع تاريخ أي تقليد لا بد أن تقبل طبيعة الممارسة المتغيرة عبر الزمن، والموزعة مكانيا. وعلى الرغم من أن الأعمال السردية التزامنية أو المنزوعة من السياق التاريخي، التي تحدثت عن «جوهر» الصوفية، قدمت نفسها في الغالب على أنها أكثر اتساقا مع روح الصوفية؛ فقد توصلت إلى وجهة نظر، بعد عقدين من دراسة كتابات الصوفيين، تتمثل في أن مشكلة مرور الزمن وتغير المكان ليست محورية فحسب لاهتمامات الصوفيين، بل مكون أساسي في تكوينهم للتقليد الذي توارثوه أو نقل إليهم. فلم يسع الصوفيون إلى الاتحاد مع الله ونبيه محمد من خلال الخروج من دائرة الزمن، وإنما من خلال ربط أنفسهم بسلاسل المعرفة والبركة التي تنقلهم عبر القرون إلى لحظة نزول الوحي على النبي وترك آدم لمعية الله. وفي صراعاتهم الكثيرة مع المعضلات الوجودية للحياة البشرية، رجعوا مرارا وتكرارا إلى دروس الشيوخ الصوفيين الأحياء، وكتب الأولياء الأموات الذين أوضحت لهم تعاليمهم الطريق إلى الخلود.
وبالرغم من أن هذا الكتاب يعد بأن يكون «سردا تاريخيا»، فقد اضطر في أحيان كثيرة إلى الاعتماد على معرفة غير تاريخية (هي مع ذلك ذات صلة كبيرة بالموضوع). وبالرغم من إدراك أن هذا قد يؤدي إلى تفاوت منهجي في أجزاء معينة في الكتاب، فإنه في الدراسة التمهيدية توجد فرصة قليلة لتناول المشاكل التأريخية المتضمنة؛ ومن ثم فإن تقييماتي كامنة في الأساس في استخدامي لبيانات أو حجج معينة. ففي عمل موجز نسبيا كهذا، كانت تأكيداتي على فهم الصوفية من منظور التقليد والمجتمع والسلطة تعني أيضا أنني أوليت اهتماما أقل - مقارنة بالأعمال التمهيدية الأخرى - بالعوالم الخاصة المتعلقة بالنشوة والحب والتجربة. بالرغم من ذلك، فإن هذا التحول للاهتمام من الخاص إلى العام قائم على الإيمان بالقيمة التفسيرية لهذه التأكيدات في فهم مكان الصوفية في السياقات المحيطة في التاريخ الإسلامي والعالمي. في هذا الصدد، فإن هدف هذا الكتاب هو معايرة تاريخ الصوفية، من خلال وضعه في سياق التاريخ الاجتماعي والسياسي والفكري للشعوب الإسلامية؛ ومن ثم إزالة الهالة التي يشوبها الغموض، والتي أحاطت بدراسة الصوفية منذ بدء محاولات التأريخ العلماني للعالم الإسلامي في أوائل القرن العشرين. بهذه الطريقة، وبدلا من تقديم سرد تاريخي عن الصوفية منفصل على نحو ذاتي، فإن هدف السرد هنا في مجمله هو ربط التاريخ الصوفي بحدود التاريخ العالمي الأوسع نطاقا، من خلال الإشارة إلى رسوخ الصوفية في التجربة التاريخية الإسلامية الأشمل. •••
فيما يتعلق بكتابة هذه الدراسة، أدين بالشكر لعدد كبير من الباحثين، وأود أن أتوجه بالشكر هنا إلى أعمال هؤلاء الذين أثروا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على كتابة هذا العمل الذي يعد بطبيعته عملية تجميع. نشأت إمكانية تأليف هذا الكتاب من أعمال شبكة عالمية واسعة من الباحثين في الصوفية، يمكنها أن تنافس من حيث الحجم حتى أكبر الطرق الصوفية. وعلى الرغم من استحالة شكر كل مؤرخ، واختصاصي نصوص، وعالم أنثروبولوجيا على ما تعلمته منه، فإن وافر شكري وتقديري الحقيقيين يكمن، كالعادة، في الملاحظات والاقتباسات. على الرغم من ذلك، أود أن أشكر على وجه التحديد عدة باحثين أثروا أكبر الأثر على فهمي للصوفية على مدار سنوات الدراسة، وكذلك عدة زملاء تحلوا بكرم كبير لقراءة مسودة الكتاب والتعليق عليها. أتوجه بالشكر أولا إلى جوليان بالديك، وكارل دبليو إرنست، وأحمد تي قره مصطفى على تشكيل أفكاري حول الصوفية على نحو غير مباشر في مراحل مختلفة من حياتي المهنية؛ وإلى كريستوفر ميلكرت على كرمه الفكري المثالي. وفيما يتعلق بالتعليقات التفصيلية والمقترحات المقدمة لمسودة الكتاب، أقدم شكري الخاص إلى علي أنوشهر (جامعة كاليفورنيا، ديفيز)، وديفين دويز (جامعة إنديانا، بلومنجتون)، ومايكل كوبرسون (جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس)، وأحمد تي قره مصطفى (جامعة واشنطن بسانت لويس)، وكريستوفر ميلكرت (جامعة أكسفورد)، وأظفر موين (جامعة ساوثرن ميثوديست)، واثنين من القراء المجهولين لي. إن كل المبالغات وحالات إساءة الفهم والأخطاء مرجعها إلي. وأتوجه بالشكر أيضا إلى جيليان أندروز على تحرير النص، وإلى هيزيل هاريس لتولي عملية الإنتاج. وللسماح بنشر الصور، أدين بالامتنان إلى معرض سميثسونيان فرير للفنون، ومعرض آرثر إم ساكلر (الشكل
1-1
والشكل
3-3 )، وإلى مكتبة جامعة لايدن (الشكل
1-2 )، والمكتبة البريطانية (الشكل
3-2 )، ومتحف الإثنولوجيا الوطني في ميونيخ (الشكل
3-2 )، ومعرض بريدجمان للفنون (الشكل
4-1 )، وإلى ألين إف روبرتس وماري نوتر روبرتس (الشكل
অজানা পৃষ্ঠা