42
وبينما يمكننا الإشارة إلى ارتباطه بمناقشات وأنماط كتابة الجيل أو الجيلين السابقين عليه، وفي حين يبدو محتملا أنه تأثر بتفسير قديم للقرآن لم يعد موجودا الآن، قدمه الإمام الشيعي جعفر الصادق (المتوفى عام 765)؛ فإنه ربما من الأفضل أن نرى أنه كان مبدعا في حد ذاته، ولم يكن يبحث لأفكاره عن مصادر بين الغنوصيين وأتباع الأفلاطونية الحديثة.
43
الأكثر إدهاشا في مصدر إبداع التستري كان ظهور ذلك الإبداع في بيئة تفسيرية خصبة جمعت بين القرآن وتجارب التستري الخاصة. ومن المهم ألا نتجاهل أيا من شقي هذه البيئة؛ لأن التستري لم يكن مجرد متصوف حر التفكير يعتمد على أفكاره المتسامية، ولا مجرد مفسر ناقل يعتمد على تأويلات بسيطة للنص القرآني، بل كان مسلما رأى أن كلمات الله المذكورة في القرآن مصدر معرفة لا ينضب للقارئ المتأمل المتفاعل مع النص القرآني. وبالاستعانة بالقرآن كمرشد له، تفكر في معنى تجاربه التي كانت نتاج سنوات قضاها في إنشاد صيغ الذكر، مثل تلك التي تعلمها أثناء شبابه من خاله الذي كان من علماء الحديث المشهورين. وعلى الرغم من البحث في الصلوات اليسوعية المطولة لدى المسيحيين النسطوريين عن نظائر ومصادر لممارسة الإنشاد تلك؛ فقد كان مصدر هذه الممارسة بالنسبة إلى المسلمين أمثال التستري وخاله إسلاميا تماما. لم تكن الصيغ وحدها مكونة في الغالب من كلمات من القرآن، بل كان المصطلح العام لهذه الممارسات - أي الذكر - هو نفسه مأخوذ من عدة وصايا قرآنية بذكر الله. كان التستري أول شخص نعرف عنه أنه ربط بين ممارسة إنشاد الذكر ومفهوم القلب باعتباره عضو المعرفة، الذي يسمح تطهيره باستضافته لنور الله الأزلي.
على الرغم من أن تفسير التستري للقرآن عبارة عن مجموعة غير منظمة من الملاحظات أكثر من كونه تفسيرا تدريجيا، فإنه يعطي فكرة عامة عن تعاليم التستري، وكذلك لمحة عن دور النص القرآني فيها. وبين النص القرآني والتأمل، طور التستري الفكرة القرآنية القائلة بوجود «ميثاق» أزلي بين الله وعباده؛ حيث استدعيت كل أرواح البشر الذين سيخلقون أمام الله وقبلوا به ربا لهم.
44
إلا أن نسخة التستري من هذا الميثاق امتدت إلى ما قبل فجر الخليقة، فقال إنه قبل أن يخلق الله البشر خلق محمدا أولا.
45
لم يكن محمد ذاك النبي محمد المعروف تاريخيا، بل كان محمدا كونيا خلق من نور صاف نابع عن نور الله الأزلي نفسه. من هذا «النور المحمدي»، خلق الله بعد ذلك بقية البشر بالترتيب التالي: الأنبياء، فأولياء الله الصالحين، فبقية الأرواح البشرية العادية. وليس كل البشر الذين خلقهم الله متساوين. إن أولياء الله ليسوا مقربين من الله بفضل جهودهم الخاصة، لكن بفضل مكانتهم التي قدرها الله سلفا عند لحظة خلقهم، وهذا لا يقلل من شأنهم على الإطلاق. وعلى الرغم من أن المسلمين العاديين بإمكانهم بالتأكيد القرب من الله باستخدام أساليب مثل إنشاد الذكر لتطهير أنفسهم من مشتتات النفس، فإنه لا توجد فرصة لهم للترقي في هرمية الولاية السماوية تلك. في واقع الأمر، قدم التستري هرمية أولياء الله هذه في صورة جماعة مغلقة يسيطر عليها عدد ثابت من «الصديقين» و«الأبدال» و«الأوتاد». وكما سنرى في الفصل الثاني، فمن الناحية الاجتماعية والمكانية، فإن عقيدة الولاية تلك سوف تؤدي مع مرور الزمن إلى تقديس قوي للأولياء الصوفيين الذين ستحول أضرحتهم - مثل ضريح الشيخ يوسف أبي الحجاج في معبد الأقصر الفرعوني القديم في مصر - تدريجيا منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة إسلامية مقدسة.
شكل 1-3: استعراض للمناطق الإسلامية المقدسة: ضريح من فترة العصور الوسطى للشيخ يوسف أبي الحجاج في معبد الأقصر، مصر (تصوير: نايل جرين).
অজানা পৃষ্ঠা