وعلى الرغم من أن أعضاء الطرق الصوفية الذين عقدوا تحالفات مع الحكام الاستعماريين كانوا بالتأكيد تحت مراقبة سلطات الاستعمار، فإن هذا لم يمنع الصوفيين في نهاية المطاف من الاستفادة من شبكات السفر الجديدة، التي اعتمد عليها أيضا الحكم والتجارة الأوروبيان؛ فافتتاح طرق عبر إقليمية مكن المسلمين في المناطق البعيدة من التواصل حول العالم بعضهم مع بعض بمزيد من السهولة والانتظام.
74
في بعض الحالات، ساعدت البنية التحتية الجديدة هذه، المتمثلة في طرق السفر، في تأسيس طرق صوفية جديدة نشطة، ونشرها سريعا من المناطق الإسلامية التي كانت نائية في السابق. وفي حالة الطريقة الرشيدية الأحمدية، نجد أن الشيخ السوداني إبراهيم الرشيد (1813-1874) جدد التقليد الذي ورثه عن شيوخه، من خلال طريقة جديدة سرعان ما انتشرت في شبه الجزيرة العربية وسوريا ومصر والسودان وليبيا وغرب أفريقيا ودول الملايو وبورنيو وسنغافورة، وفي نهاية المطاف تايلاند وكامبوديا.
75
وإلى حد ما كان هذا الانتشار الهائل ناجما عن توفر آلات الطباعة، التي من خلالها أصبح من الممكن طباعة كتب الطرق الجديدة بأعداد كبيرة لتوزيعها على نطاق عالمي. وفي الغالب كانت توجد تلك المطابع في مراكز النقل الرئيسية، مثل إسطنبول أو بومباي أو سنغافورة، وكانت الكتب توزع في مقاصد الحج العالمية مثل مكة.
76
تظهر تلك التحركات عبر المناطق الواقعة تحت الاستعمار أن الصوفية قدمت أشكالا من الإلهام والتنظيم قوية على نحو كاف لمقاومة الضغوط الاستعمارية، ولعل الأهم من هذا الانتشار لطرق جديدة عبر المناطق الواقعة تحت الاستعمار أن أجزاء من العالم الإسلامي ظلت بمنأى عن الاستعمار الأوروبي. فمن المهم أن نقارن ما رأيناه من التجربة الاستعمارية بمصائر الصوفيين في تلك المناطق غير الخاضعة للاستعمار؛ ذلك لأنه بالنظر إلى تاريخ الصوفيين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في الإمبراطورية العثمانية وإيران وأفغانستان، نجد أنه توجد عدة أنماط عامة تشبه سياسات الدول الاستعمارية من أوجه معينة. وهذا بدوره يشير إلى ضرورة وضع السيناريوهات الاستعمارية التي تناولناها في إطار الأنماط التاريخية الأطول أجلا، المتعلقة بالتفاعل بين الصوفيين أصحاب النفوذ القوي والقوى الدولية، سواء أكانت قوى «استعمارية» أم قوى «محلية».
من بين أهم المناطق الإسلامية التي لم تطلها يد الاستعمار إلا بعد الحرب العالمية الأولى، ظلت الإمبراطورية العثمانية، التي بدأت أراضيها في التضاؤل وإن ظلت مساحتها شاسعة بالرغم من ذلك، تمثل ساحة مهمة للصوفيين، وكانت أيضا من المناطق التي تشابهت فيها تفاعلات الصوفيين مع الدولة وتفاعلاتهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الاستعمار. كان الحدث الصوفي الأهم في أوائل القرن التاسع عشر هو الإلغاء الرسمي للطريقة الصوفية البكتاشية عام 1826، بالإضافة إلى فرقة الإنكشارية العسكرية، التي لطالما كانت قاعدة الدعم الأساسية لها على مدار ما يزيد عن ثلاثة قرون،
77
وجاء في صيغة «الفرمان» الذي أعلنت فيه الإمبراطورية العثمانية الإلغاء المشترك ما يلي: «الأولى عدو للدولة، والأخرى عدو للدين.»
অজানা পৃষ্ঠা