إن واردات السودان مليونا جنيه (بطريق أسوان) وصادراته 11 مليونا ونصف مليون جنيه، وإن الأملاك والعقارات تقدر بالملايين الكثيرة، وإن عدد التجار المسيحيين 15 ألفا وعدد التجار المصريين 40 ألفا، وعدد المحلات التجارية المصرية ثلاثة آلاف وعدد المحلات التجارية الأوربية نحو ألف، والمخزون من البضائع يقدر بنصف مليون جنيه.
ولكن ذلك كله لم يحل دون عزم إنكلترا على إخلاء السودان، بل إن ذلك هو الذي دعاها إلى إخلائه لتضع يدها عليه، وما كاد يصدر أمر الإخلاء حتى أنزل الأميرال هويت قوة إنكليزية بسواكن (24 فبراير 1884) وكانوا قبل ذلك أي في سنة 83 قد خططوا السكة الحديدية من سواكن إلى بربر ليحولوا طريق التجارة عن مصر إلى سواكن فيربحوا خيرات السودان وتجد مراكبهم مرتزقا من النقل دون مزاحم، وبعد احتلال سواكن أرسلوا الماجور هنتر لاحتلال زيلع وبربرة وما وراءهما، فكانت الجنود المصرية تلف علمها وفي الوقت ذاته كانت الجنود الإنكليزية ترفع علم دولتها فوق القلاع المصرية، وفي 3 يونيو 1884 عقد هنتر اتفاقا مع النجاشي يوحنا بشأن إقليم هرر دون استشارة الحكومة المصرية ودون رأيها، وألف هناك حكومة محلية برئاسة عبد الله محمد عبد الشكور. أما مصوع التي سلمتها تركيا للحكومة الخديوية في سنة 1866 مقابل 16 ألف جنيه تدفعها في كل سنة، فقد كانت محافظة تمتد من رأس قصار في البحر الأحمر حيث منتهى محافظة سواكن إلى حلة رهيطة عند بوغاز باب المندب، وتمتد بالبر إلى سيدرات بالقرب من كسله، ويطلق الطليان عليها الآن اسم الإريتره، فالبحر الأحمر كان بحرا مصريا صرفا مع خليج العقبة وقلعة الوجه التي بناها المصريون وأقاموا فيها حتى 89 وفي 6 فبراير 1885 أخرجت الحامية المصرية من زيلع وأعيدت إلى مصر ومنحت زيلع وبربر للإنكليز.
وأغرب من ذلك أن هذه البلاد التي أخذت من مصر لا تزال مصر تدفع إتاوتها لتركيا، وقد قرر مؤتمر لوزان أن تظل مصر تدفع هذه الإتاوة إلى سنة 1855. •••
أما القوة المصرية التي كانت في بلاد السودان حين قيام ثورة المهدي فهي حسب الإحصاء الرسمي 1950 في دنقلة و2170 في بربر و7480 في الخرطوم و2350 في سنار و1610 في القلابات و800 في الجيرة و200 في القضارف و3940 في كسله و920 في أمبديب و1900 في سنهيت و3470 في هرر و5830 في كردوفان و4863 في دارفور و886 في بحر الغزال و2631 في خط الاستواء. فجملة عدد الجيش المصري في السودان 40490 وفي خدمتها 12 وابورا حربيا، وعدد المتطوعة مع الجيش نحو 20 ألفا، وعدد الموظفين نحو 30 ألفا.
هوامش
كيف دفع السودان للثورة
دس الإنكليز رجالهم في خدمة الحكومة المصرية في السودان، وظن إسماعيل باشا - الذي كان يجيب طلبهم باستخدام رجالهم وبإعطائهم السلطة التي لا حد لها - أنه يرضيهم ويحول مطامع إنكلترا عن بلاده، فظن خطأ، وتولى الموظفون الإنكليز المناصب بطلب حكومتهم وإرشادها ليتمكنوا من هدم الإمبراطورية المصرية الواقعة على طريق الهند وتحويلها إلى مستعمرات إنكليزية فصموئيل بكر في خط الاستواء وغوردون في بحر الغزال وكلاهما وال مصري أعطيا السلطة التي لا حد لها فاستخدما قانون منع الرق لإغضاب السودانيين الذين كانوا يستخدمون العبيد في أعمالهم وينصرفون هم إلى التجارة والأعمال الكبيرة، فكانا ينكلان بالناس تنكيلا شديدا ويعاقبان بالقتل والسجن ومصادرة الأملاك بحجة تنفيذ المعاهدة المبرمة بين إسماعيل باشا وإنكلترا سنة 1877 لمنع الرقيق، مع أن الإنكليز في أملاكهم الأفريقية كانوا يتساهلون كل التساهل، فعد عمل الإنكليز فوق ما تقدم تعرضا للدين. ثم إنهم ميزوا قبيلة على أخرى فأعفوا قبائل الشايقية من الضرائب فأغضبوا القبائل الأخرى، كما فضلوا أصحاب الطريقة الميرغنية على أصحاب الطرق الأخرى فأوجدوا التحاسد بين أصحاب الطرق.
ويلي ذلك إهمال شأن محمد أحمد المهدي عند ظهوره، وظهور هؤلاء الذين يدعون المهدية في السودان كثير جدا، وقد ظهر من يوم استعادة السودان إلى اليوم 15 مهديا لو أهملوا لاستفحل أمرهم، وضاعف في الأمر الثورة العرابية التي كان ينشطها ويشجعها وكيلهم السياسي بمصر السير مالت وغيره من خدمة سياستهم فتحولت أنظار حكومة مصر عن السودان إلى أن احتل الإنكليز مصر.
محمد أحمد والثورة
أما محمد أحمد المهدي فهو ابن نجار تعلم العلوم الدينية بالخرطوم، واتبع الطريقة السمانية، وسكن مع إخوته النجارين في جزيرة أبا حيث كثر تلامذته وأتباعه، وفي سنة 81 جهر بدعوى المهدية، وحث أصحابه على القيام معه لنصرة الدين والجهاد في سبيل الله كما يفعل ذلك الكثيرون، ولما وصل خبره إلى رءوف باشا حكمدار السودان أرسل إليه يسأله عن منشوراته وادعائه فأجابه أنه المهدي المنتظر، فأوفد إليه محمد بك أبا السعود أحد معاونيه فدخل عليه في غاره وسأله عن دعواه. فأجابه: أنا المهدي أنا ولي الأمر.
অজানা পৃষ্ঠা