أما تفتيش الري الذي قالوا إن مصر تنفق عليه من خزانتها وعمله «الرقابة على المياه» فهو مؤلف من الإنكليز وحدهم دون شريك لهم، وأي داع كان يدعو إلى إنفاق الأموال الطائلة والسودان لا يزرع ولا يروي ريا دائما سوى 12 ألف فدان؟
فاسألوا هذا التفتيش المبارك هل دل مصر وحكومة مصر في الوقت المناسب على حالة الفيضان، وهل أرشدها إلى الغرق أو إلى الشرق حتى تتخذ الحيطة لهذا ولذاك؟ وهل جمع لمصر المعلومات حتى تتذرع بالوسائل النافعة في الوقت المناسب؟
إن في تقرير السير مكدونالد الذي نشر في 25 فبراير 1920 والذي قامت له القيامة يوم قضية السير ويلكوكس الأرقام التي دلت على أن خزان جبل الأولياء غير ممكن ملؤه وإيصاله إلى المنسوب المقرر، وأنه عند البدء في ملئه في أول الفيضان يؤثر على حالة النهر حتى يتعذر على الفلاحين في صعيد مصر زراعة الذرة قبل نهاية شهر مسرى. فمن كان له أقل إلمام بأحوال الزراعة في هذا البلد يعرف ويدرك ما يترتب على ذلك من الضرر بمحصول الذرة، ثم بعد ذلك بالزراعة الشتوية؛ لتأخر مياه الفيضان عن دخول الحياض.
على أن الإنكليز الذين كانوا يخفون بالأمس مقاصدهم وغاياتهم ويغطونها باسم مصر ومصلحة مصر، قد كشفوا الآن الستار عن تلك المقاصد فلم يبق وجه للانخداع بأقوالهم أو بوعودهم، فقد رأينا اللورد ملنر يهمل في مذكرته إلى الوفد المصري ذكر السودان والاتفاق بشأنه بوصفه جزءا من مصر، وبوصف مسألته شطرا من المسألة المصرية، فقال في مشروعه الأول الذي عرضه على الوفد المصري في البند الثالث عشر: «تكون مسألة السودان موضع اتفاق خاص» وقال في كتابه إلى عدلي باشا في 8 أغسطس 1920 عن سبب إهمال ذكر السودان في الاتفاق «إن موضوع السودان الذي لم نتناقش فيه قط نحن وزغلول باشا وأصحابه خارج بالكلية عن دائرة الاتفاق المقصود لمصر، فإن البلدين يختلفان اختلافا عظيما في أحوالهما، ونحن نرى أن البحث في كل منهما يجب أن يكون على وجه مختلف عن وجه البحث في الآخر أن السودان تقدم تقدما عظيما تحت إدارته الحالية المؤسسة على مواد اتفاق 1899 فيجب والحالة هذه ألا يسمح لأي تقييد يحصل في حالة مصر السياسية أن يوقع الاضطراب في توسيع نطاق تقدم السودان وترقيه على نظام أنتج كل هذه النتائج الحسنة.
على أننا ندرك من جهة أخرى أن لمصر مصلحة حيوية في إيراد المياه الذي يصل إليها مارا بالسودان، ونحن عازمون أن نقترح اقتراحات من شأنها أن تزيل هم مصر وقلقها من جهة كفاية ذلك الإيراد لحاجاتها الحالية والمستقبلة.»
وهذه الاقتراحات التي أشار إليها اللورد ملنر بسطها اللورد كرزون للوفد الرسمي في مذكرته بتاريخ 10 نوفمبر 1921 بقوله:
حيث إن رقي السودان السلمي هو من الضروريات لأمن مصر ولدوام موارد المياه لها تتعهد مصر بأن تستمر في أن تقدم لحكومة السودان نفس المساعدات الحربية التي كانت تقدم إليها في الماضي، أو أن تقدم بدلا من ذلك لحكومة السودان إعانة مالية تحدد قيمتها بالاتفاق بين الحكومتين. ا.ه.
فهم يطلبون من مصر صراحة ثمن المياه التي تمر بالسودان إلى مصر، ويخيرونها بين أمرين؛ فإما أن تدفع هذه الثمن مالا عينا، وإما أن تقدم قوة عسكرية تقوم مقام البوليس في السودان لأن الإنكليز حولوا الجيش المصري إلى قوة بوليس بسيطة، وهم الآن قد حولوا أكثره إلى قوة سودانية كما نبين ذلك في مقال خاص.
هوامش
القبض على نواصي الأمم بالماء والبوليس
অজানা পৃষ্ঠা