بقلم صاحب الدولة حسين باشا رشدي
1 (1) السودان حياة مصر
إنما السودان لهو الحياة بذاتها لمصر؛ لأنه منبع النيل، ومصر هي التي فتحت السودان في الأصل، ولم تضن في هذا السبيل بأية ضحية بالرجال أو بالمال، وهذا الفتح بدأ على عهد محمد علي، وتم على عهد إسماعيل الذي ضم مناطق البحيرات الكبرى حتى منابع النيل وبحر الغزال وخط الاستواء ثم سواحل البحر الأحمر حتى رأس غردفوي، وجعل الأوغندا تحت حماية مصر، ونال من الباب العالي إدارة سواكن وزيلع وملحقاتهما، واتخذ لنفسه لقب خديوي مصر وصاحب نوبيا ودارفور وكردوفان وسنار، واعترفت الفرمانات السلطانية التركية لمصر بامتلاك هذه الأقاليم السودانية، واعترفت الدول بهذه الفرمانات ذاتها.
وفي سنة 1885 أجلت الحكومة المصرية تحت ضغط الحكومة الإنكليزية عن أكثر هذه الأقاليم السودانية، ولكنها خرجت منها على نية العودة إليها، ومع العزم الأكيد على احتلالها ثانية عند سنوح أول فرصة ملائمة، وهذا العزم واضح كل الوضوح من المستندات الرسمية المصرية فوزارة شريف باشا فضلت الاستعفاء على قبل ترك السودان ولو تركا موقوتا.
وفي 9 ديسمبر 1894 أرسل رياض باشا إلى السير إيفلن بارنج مذكرة قال فيها:
لا يستطيع أي إنسان أن ينازع في أن النيل هو حياة مصر، وهذه حقيقة واضحة كل الوضوح لا تحتاج إلى مناقشة، وحيث إن النيل هو السودان فلا جدال في أن العلاقات والروابط التي تربط مصر بالسودان لا يمكن أن تقبل أي انفصال، وما مثلها في هذا التماسك إلا كمثل العلاقة التي تربط الروح بالجسد، وإذا تمكنت دولة من الاستيلاء على منابع النيل فإن هذا الاستيلاء يكون بمثابة حكم الإعدام على مصر.
فمن هذا كله يتبادر إذن إلى كل ذهن أن حكومة سمو الخديوي لا ترضي قط بحال من الأحوال باختيارها وبدون أن تكون مكرهة إكراها بمثل هذا التهجم على وجودها.
2
وفي الكتاب الأزرق الذي أصدره اللورد سالسبوري في سنة 1898 عن مسألة فاشوده كتاب من بطرس باشا غالي وزير الخديوي قال فيه:
إن حكومة الخديوي كما تعرف سيادتكم لم يغب عن نظرها في حين من الأحيان العودة إلى استئناف احتلال الأقاليم السودانية التي هي مصدر الحياة ذاتها لمصر، ومصر لم تنسحب من تلك الأقاليم إلا عقيب ظروف قوة قاهرة، وإن استعادة الخرطوم تفقد الغاية منها إذا لم يعد إلى مصر وادي النيل الذي ضحت مصر في سبيله الضحايا العظيمة.
অজানা পৃষ্ঠা