قال أحد الفلاسفة: «إن النجاح في معظم الأمور يتوقف على أن يعرف الإنسان إلى متى يجب أن يصبر حتى يفوز، فالأعصاب التي لا ترتخي، والعين التي لا تكل، والفكر الذي لا يتشتت هي التي تحرز الغلبة دائما، فلا بد لنا من الصبر حتى ندرك أمانينا. وإذا كنت تنتقل في أعمالك كالشمس من برج الجدي إلى برج الثور، مرددا قول الطغرائي «إن العز في النقل»، فاعلم أنك لن تبرع وتمتاز.»
قال كارليل: «اعرف عملك وثابر عليه ، واعمل فيه كجبار.»
فيا ليت شعري كيف ينجح طالب أي عمل وفن إذا كان يريد التفوق وهو ملول سريع السأم قريب الضجر، لا يثبت في عمله ولا يصبر عليه؟! إن العبقرية تشب بين ليلة وضحاها وتستعجل الأمور قبل أوانها ثم تكل، أما الثبات فإنه يعمل رويدا رويدا ويدرك أخيرا ما يسعى إليه.
كثيرا ما يهولك ما ينتظرك من أعمال فتجبن وتخاف أمام هذه الكثرة فتتردد، وإذا لم ينجدك الصبر خسرت المعركة، وتتراجع وتظل تحوم حول مكتبك حتى يضيع يومك، أما إذا ابتدأت حين تفتكر فإنك ترى نفسك أكبر من عملك، إنك تظل أصغر منه حتى تشرع به؛ ولذلك قالت العوام: «العتبة نصف الطريق.»
قال أحد الكتاب: «إن من يتردد دائما بين عملين لا يدري أيهما يفعل أولا، ومن يعزم ثم يرضى أن يتغير عزمه لأول معارضة يلقاها من صديق له وينتقل من رأي إلى رأي ومن خطة إلى أخرى؛ لا يعمل شيئا عظيما أو مفيدا، فالثبات هو الذي بنى الأهرام وقلعتي بعلبك وتدمر التي زعم النابغة أنها من عمل الجن، وأي جني أعظم من الإنسان إذا صمم وثبت وصبر؟ وهل بغير الصبر والثبات وصل الإنسان إلى القطب الشمالي وتسلق أعلى الجبال؟»
وهؤلاء العلماء الذين يحاولون اليوم فتح السماء فما قولتك فيهم؟ إنهم صابرون ومصرون وسيصلون، فكل ما في هذا الكون من اختراعات وعجائب لم يكن لولا الصبر والثبات، إن المصادفات لم توجد شيئا عظيما كما يخبرنا إديسون، فهو لم يخترع اتفاقا إلا الفونغراف كما قال، أما جميع اختراعاته الأخرى فهي بنت الثبات والصبر والجهاد المستمر.
كتب تيتان حين قدم صورة العشاء السري إلى شارل الخامس:
إنني أقدم إلى جلالتكم صورة العشاء السري بعد أن واصلت العمل فيها كل يوم تقريبا مدة سبع سنوات.
وأبو الفرج الأصبهاني الذي خلده كتابه الأغاني قد صرف في تصنيفه معظم عمره.
ربما قلت لي: «كيف أثبت وأنا بائس؟» فأقول لك: إن الأحوال المعاكسة تولد القوة، والمعاكسة تصيرنا أقدر على المدافعة، والتغلب على عقبة واحدة يزيدنا قوة للتغلب على عقبات عديدة، فكم صبر كولومب وكم صبر غيره من الرجال العظام حتى بلغوا الأماني! أفتريد - وأنت الناشئ - أن تدرك فورا ما أدركه من شابت نواصيهم في طلبه؟! لا تكن رخوا، قل: لا بد لي من أن أصل، ثم واصل سيرك تبلغ المدى، أما إذا قعدت حسيرا تنتظر مركبة إيليا النارية وبساط الريح، فإنك تظل حيث أنت؛ لأنك طلبت المدد من غير نفسك فقصرت كحمار الشيخ في العقبة.
অজানা পৃষ্ঠা