فليت هذه العداوة تستحيل منافسة شريفة فنتسابق ونحن بشر كما تتسابق الخيل! أليس كل منها يسعى إلى الغاية، ولا يهمه أن يعرقل خطى سواه؟ فلنكن جيادا على الأقل إذا لم نشأ أن نكون بشرا.
العالم اليوم يتنافس بالإعلان لا بقذائف اللسان، حكي أن خياطا روسيا شاء أن يعلن عن دكانه فكتب فوق بابه: «أكبر خياط في روسيا.» وقرأ ذلك جار له فشاء أن يفوقه إعلانا فكتب: «أكبر خياط في العالم.» وكان هناك خياط شهير لم يجد ما يقوله ليبز زميليه وهما دونه شهرة، فاستعان بأحد الظرفاء فقال له: «المسألة بسيطة جدا، اكتب: أكبر خياط في هذا السوق.»
هكذا يتنافس الناس عندهم، ولا يتعادون كما نتعادى نحن.
فلا نجاح إلا بالصدق وإتقان العمل، وكما أن لكل إنسان وجدانا كذلك يكون لكل مهنة وعمل ومصلحة ضمير، ومن خان هذا الضمير ولم يستجب له حين يدعوه يشرف على الخسارة والبوار من حيث لا يدري، فأتقن عملك واصدق تفلح إن شاء الله.
بين الأذن والفم
شكت إلي أذني ثرثرة فمي فقلت لها: عجيبة شكواك! إنه لا يصلني شيء مما تدعين.
ثم تفكرت مليا في ما قالت فوجدتها مصيبة، وأدركت شر المصيبة المضحكة.
سمعت الناس كثيرا ما يقولون «خداع النظر»، وقلما سمعتهم يقولون «خداع السمع»، إني أحسبهم مخطئين فما أقل الذين تخدعهم أعينهم! أما الذين تخدعهم آذانهم فأكثر عددا من الرمل، إن في وفيك شيئين قريبين بعيدين، أتحزر ما هما؟
هما أذناي وأذناك وفمي وفمك، ألا ترى كيف نصبت الأذنان كبوقين على جانبي قمة رأسي ورأسك؟ ألا تراهما ككفتي ميزان، وخصوصا إذا كانتا طويلتين، ننتقل بهما من مجلس إلى مجلس، ومن ناد إلى ساحة، لقد خلقتا ميزانا لأنفسنا أولا، ولكننا لم ننتفع بهذا الميزان؟
وكأنى بك تعترض علي قائلا: أليس للحيوان أذنان وفم؟ فماذا اخترعت بسؤالك هذا؟ - أي نعم يا سيدي، نحن والحيوان وكل من يسعى إلى رزقه في هذا سواء، إنما هناك فرق: الحيوان - أجلك الله - تصدق أذناه جميع ما ينطق به فمه، فلا ينافق متى تكلم بلغته، لا يكذب الحيوان على قانيه إذا كان داجنا، ولا على فريسته متى تهدد وتوعد، إذا كان آبدا. أما أنا وأنت فما أبعد فمنا عن آذاننا! إن أعمالنا تؤكد لمن يسمع أقوالنا أن آذاننا في واد وفمنا في واد، مع أنه ليس بينهما قدر أربع أصابع مسافة.
অজানা পৃষ্ঠা