ما لي وما لغيري؟ فلأحدثك عن نفسي: قد لبست الغنباز والشروال والعباءة والعقال كما ألبس اليوم ما صنع على مثال آخر طراز، ومع ذلك ما وجدت تغيرا في ملاذي وراحتي وعواطفي وإنسانيتي، وسكنت البيوت الرفيعة العماد كما أويت إلى البيوت المتواضعة، ورتعت في قلب المدينة الكبرى كما عشت في القرية النائية، فما رأيتني في تلك خيرا مني في هذه.
وركبت الحمير والخيل والبغال والعجلات والسيارات - ولا أقول الطائرات فما طرت بعد - فما زادتني الأخيرة نشاطا ولا منحتني قوة ولا وفرت لي لذة.
قد تقول: هذا رجل رجعي، لا يا عزيزي فما أنا ذاك، إن أنا إلا رجل يماشي الزمان، وإن شئت فقل يسبقه ولا تخف.
إنني أروي لك ما أشعر به وما أحسسته، فكل ما أحدث في زماني من اختراعات ما رأيته غير شيئا من أخلاق الناس وميولهم، فالبغض ظل بغضا وزاد، والطمع استحال جشعا وكلبا. هذا اعتراف مني أمامك وقد سجلته على نفسي.
إن ما كنا نعده خرافات وأوهاما قد صار على عهدي حقائق ملموسة، كان أستاذنا الذي علمنا الأدب العربي يرتبك في شرح هذا البيت الذي كان يعجبه جدا، إلا أنه لم يكن يرتاح إلى ما فيه من مبالغة:
غنت سليمى بالعراق فأطربت
من كان في أرض الشآم نشيدا
فيحاول أن يخفف من إغراق الشاعر وغلوه، إلى أن جاءنا ذات يوم يقول لنا: «قد تحقق زعم شاعر سليمى التي غنت بالعراق واخترعوا الفونغراف.» فصحنا: «الفونغراف! وما هو الفونغراف؟!» وأخيرا رأيناه وسمعناه، وعندما جاءنا الراديو بعد الحرب الأولى ترحمت على الأستاذ وقلت: «الراديو يحقق الفكرة أكثر، فليت أستاذنا ظل حيا ليراه ويسمعه!»
وكان هذا الأستاذ عينه يهز برأسه حين يشرح لنا «التمني والترجي» ويردد هذا البيت:
أسرب القطا هل من معير جناحه
অজানা পৃষ্ঠা