سُؤالات السُّلمي للدَّارقُطني تأليف: أبي عبد الرحمن محمَّد بن الحُسين السُّلمي المتوفى (٤١٢هـ) تحقيق: فريق من الباحثين، بإشراف وعناية د. سعد بن عبد الله الحُمَيِّد ود. خالد بن عبد الرحمن الجريسي

1 / 1

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيقِ الحَمْدُ للهِ الَّذِي ظهر لأوليائِهِ بنُعوتِ جلالِهْ، وأنارَ قلوبَهم بمشاهدةِ صفاتِ كمالِهْ، وتَعرَّفَ إليهم بما أسداه إليهم من إنعامِهِ وإِفضالِهْ؛ فعلموا أنه الواحدُ الأحَدْ، الفردُ الصَّمدْ؛ الذي لا شريكَ له في ذاتِهِ ولا في صفاتِهِ ولا في أفعالِهْ، بل هو كما وصف به نفسَهُ وفوقَ ما يَصفُهُ به أحدٌ من خلقِهِ في إكثارِهِ وإقلالِهْ، لا يحصي أحدٌ ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسِه على لسانِ مَن أكرمهم بإرسالِهْ. ونشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له إلهًا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا جَلَّ عن الأشباه والأمثالْ، وتَقدَّسَ عن الأضدادِ والأندادِ والشركاءِ والأشكالْ، ونشهد أن محمدًا عبدُهُ ورَسولُهُ القائمُ له بحقِّهْ، وأمينُه على وحيِهْ، وخِيرته مِن خلقِهْ، أرسلَه رحمةً للعالمينْ، وإمامًا للمتَّقينْ، وحسرةً على الكافرينْ، وحُجَّةً على العبادِ أجمعينْ، بعثَه على حينِ فَتْرةٍ مِن الرُّسُلْ، فهدى به إلى أقومِ الطُّرُقِ وأوضحِ السُّبُلْ، وافترض على العبادِ طاعتَهُ ومحبَّتَهُ وتعظيمَه وتوقيرَهُ والقيامَ بحقوقِهْ، وسدَّ إلى جنتِهِ جميعَ الطُّرُقِ فلم يفتحْ لأحدٍ إلا من طريقِهْ، فشَرَح له صدرَهْ، ووضع عنه وِزْرَهْ، ورَفع له ذِكْرَهْ، وجعل الذُّلَّ والصَّغارَ على مَن خالَف أمرَهْ، فلم يزلْ ﷺ قائمًا بأمرِ الله لا يَرُدُّه عنه رادّ، مُشَمِّرًا في مرضاةِ اللهِ لا يَصُدُّه عن ذلك صادّ، إلى أن أشرقتِ الدنيا برسالتِهِ ضياءً وابتهاجَا، ودخل الناسُ في دينِ اللهِ أفواجًا أفواجَا. بلَّغ الرسالةْ، وأَدَّى الأمانةْ، ونَصَح الأمةْ، وجاهد في اللهِ حقَّ الجهادِ

1 / 5

وأقام الدِّينْ، وترك أمتَهُ على البيضاءِ الواضحةِ البينةِ للسالكينْ، وقال: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *﴾ [يُوسُف: ١٠٨] (١) . فصلَّى الله على نبيِّنا كلَّما ذكره الذاكرون، وغفَلَ عن ذِكْره الغافلون، أفضلَ وأكثَرَ وأزكى ما صلَّى على أحدٍ مِنْ خَلْقِه، وجزاه اللهُ عنا أفضَلَ ما جزى مُرْسَلًا عَمَّنْ أُرْسِلَ إليه. أما بعد: فيسرُّنا أن نضعَ بين يديكَ- أخي القارئ- أحدَ كتبِ السُّؤالاتِ المهمَّة، وهو "سؤالاتُ السُّلَميِّ للدارقطنيِّ"؛ في جرحِ الرُّواةِ وتعديلِهم. وكتبُ السُّؤالات نمَطٌ من التصنيفِ معروفٌ؛ يجمع فيه مُصَنِّفُه مايوجِّهُه إلى شيخِه من أسئلةٍ عمَّا يُشْكِلُ عليه من المسائلِ في الفنِّ الذي اشتُهِرَ به الشيخ، أو ما يهمُّه معرفةُ رأي شيخِهِ فيه. وتوجيهُ الأسئلةِ إلى أهلِ العلمِ والذِّكْرِ أصلٌ دلَّت عليه نصوصُ الكتابِ والسنَّةِ: فقد أَمرَنا اللهُ في مُحكَمِ التنزيلِ بسؤالِ أهلِ الذِّكْرِ واستفتائِهم؛ قال سبحانه: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النّحل: ٤٣] . وقد وردتْ آياتٌ كثيرةٌ فيها ذِكْرُ أسئلةٍ وُجِّهتْ إلى النبيِّ ﷺ؛ _________ (١) مقتبسٌ من مقدمة ابن القيم لكتاب "إغاثة اللهفان" بتصرُّف.

1 / 6

كما في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩] (١) . ودواوينُ السنةِ مليئةٌ بالأسئلةِ التي كان يوجِّهُها الصحابةُ ﵃ إلى النبيِّ ﷺ، وكان يمكنُ أن تكونَ أكثرَ من ذلك، لولا نهيُ الله ﷾ لهم بقولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ *﴾ [المائدة: ١٠١] . فمن ذلك ما أخرجه مسلمٌ في "صحيحِه" (٢) من روايةِ محمَّدِ بنِ زيادٍ، عن أبي هريرةَ ﵁ قال: خطبنا رسولُ الله ﷺ فقال: «يا أيُّها الناسُ قَدْ فَرض اللهُ عليكم الحجَّ فحُجُّوا»، فقال رجلٌ: أَكُلَّ عامٍ يا رسولَ الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسولُ الله ﷺ: «لو قلتُ: نعم، لوجَبَتْ، ولمَا استطعتُمْ»، ثم قال: «ذروني ما تَركتُكم؛ فإنما هلك مَن كان قبلَكم بسؤالهِم واختلافِهم على أنبيائِهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأْتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فدَعُوه» . وخرَّجه الدارقطنيُّ من وجهٍ آخرَ مختصرًا وقال فيه: فنزل قولُهُ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا _________ (١) انظر من ذلك أيضًا: سورة البقرة (٢١٥ و٢١٧ و٢١٩ و٢٢٠ و٢٢٢)، والمائدة (٤)، والأعراف (١٨٧)، والأنفال (١)، والإسراء (٨٥)، والكهف (٨٣)، وطه (١٠٥)، والنازعات (٤٢) . (٢) برقم (١٣٣٧) .

1 / 7

عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ *﴾ (١) [المائدة: ١٠١] . وغيرُ ذلك من الأحاديثِ التي تدلُّ على النهيِ عن السؤالِ عما لا يُحتاج إليه مما يسوءُ السائلَ جوابُه، وعلى النهيِ عن السؤالِ على وجهِ التَّعَنُّتِ والعبثِ والاستهزاءِ، والسؤالِ عما أخفاه اللهُ عن عبادِهِ ولم يُطلِعْهم عليه، كما تدل أيضًا على نهيِ المسلمينَ عن السؤال عن كثيرٍ من الحلالِ والحرامِ مما يُخشى أن يكونَ السؤالُ سببًا لنزولِ التشديدِ فيه (٢) . وقد كثرتْ كُتُبُ السؤالاتِ في كلِّ فَنٍّ من الفنونِ، ومنها علمُ الجرحِ والتعديلِ، وكتابُنا هذا واحدٌ من هذه الكتبِ في هذا الفنِّ (٣) . وقد طُبِع هذا الكتابُ- حَسَبَ عِلمِنا- ثلاثَ طبعاتٍ: ١) الأولى بتحقيق د. سليمان آتش. ٢) والثانيةُ بتحقيق مجدي فتحي السيد. ٣) والثالثةُ بتحقيق محمد بن علي الأزهري. _________ (١) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٢/٢٨٢) من طريق إبراهيم الهَجَري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة. وإبراهيم الهجري ضعيف، لكن أخرجه قبل هذا (٢/٢٨٠) من طريق منصور بن وردان إمام مسجد الكوفة، عن علي بن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبيه، عن أبي البَختري، عن عليٍّ ﵁، به. (٢) انظر "جامع العلوم والحكم" (ص١٦٨-١٧٨) . (٣) انظر التعريف بكتب السؤالات وذكر أشهرها (ص ٤١) .

1 / 8