الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ... (٨٣)﴾ [النّساء].
قال الجهلاء: وكيف الجمع بين قوله تعالى في حقّ أمّة محمّد ﷺ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ... (١١٠)﴾ [آل عمران] وقوله تعالى في حقّ بني إسرائيل: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧)﴾ [البقرة] وعضدوا جهالتهم بقولهم: كيف يستقيم هذا، وقد أكّد الله تعالى تفضيل بني إسرائيل على العالمين بأنْ ذكر الآية مرتين في السّورة نفسها، فقد قال الله في الآية الثَّانية والعشرين بعد المائة: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٢٢)﴾ [البقرة] قالوا: وهذا التّكرير للتوكيد!
والجواب، أنّ تفضيل الله تعالى لبني إسرائيل لا يخفى أنّه كان على عالمي زمانهم، وهو من باب العام الّذي أُريْدَ به الخاص، والفعل (كان) في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ لا يراد به المضيّ والانقطاع، وإنّما يراد به الاستقبال والحال، وهذا الحكم جاء مُعَلَّلًا، فعلّة الخيريّة فسّر سببها قوله تعالى بعد ذلك ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... (١١٠)﴾ [آل عمران] والآية وإن كانت خطابًا لأصحاب النَّبيِّ، فهي عامة في أمّة النَّبيِّ ﷺ الّتي لا يخلو عصر ممّن يأمر منها بالمعروف وينهى عن المنكر.
ومن باب العام الّذي يُرادُ به الخاص قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣)﴾ [آل عمران] فالله تعالى لم يصطفهم على سيّدنا محمّد ﷺ، وإنّما أراد عالمي أزمنتهم. ولابن قتيبة في كتابه " تأويل مشكل القرآن " (^١) بحثٌ ثَرٌّ في ذلك.
قال الجهلاء: كيف عمّ الله تعالى الآيات بالإحكام في قوله تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ... (١)﴾ [هود] وخصّ بعضها بالإحكام في سورة آل عمران فقال: ﴿هُوَ الَّذِي