وقد ذكر خروشيشيف في خطابه التاريخي المشهور أمام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي وهو يهاجم استبداد ستالين:
لم يحدث خلال المعركة الفكرية العنيفة التي شنها الحزب على أنصار تروتسكي وزينوفييف وبوخارين وغيرهم أن اتخذت إجراءات قمع متطرفة؛ ذلك لأن هذه المعركة كانت مستندة إلى أساس فكري، ولكن حدث بعد ذلك ببضع سنوات عندما وضع البناء الأساسي للاشتراكية في بلادنا، وعندما تلاشت الطبقات المستغلة تدريجيا، وعندما أدخلت تعديلات جوهرية أساسية على البناء الاشتراكي السوفييتي، وعندما أخضعت العناصر المناهضة للحزب الآراء السياسية والاجتماعية المعارضة لفلسفة لينين ... عندما تم ذلك كله بدأت إجراءات القمع توجه ضد هؤلاء الأعداء.
نعم، بدأ القمع بعد ذلك ... ففي خلال الأعوام 1935 و1937 و1938 بدأت عمليات القمع بواسطة الجهاز الحكومي، بدأت ضد أعداء فلسفة لينين أولا، ثم ضد أتباع تروتسكي وزينوفييف وبوخارين، مع أن هؤلاء كانت قد حاقت بهم هزيمة سياسية كبيرة على يد حزبنا ... ثم بدأ القمع يوجه ضد عدد كبير من الشيوعيين المخلصين، وضد بعض القادة المجاهدين الأوائل الذين تحملوا مرارة الكفاح أثناء الحرب الأهلية، وأثناء الكفاح من أجل التصنيع، وتطبيق نظام المزارع الجماعية، الذين حاربوا بقوة ضد أتباع تروتسكي واليمينيين من أجل نصرة الحق. (15) ثورة لينين وثورة ستالين
إن الماركسية بفرض أنها نظرية لها قيمتها نتاج التفكير الغربي، والواقع أن التهمة الرئيسية التي يمكن توجيهها إلى كارل ماركس بوصفه ثوريا دوليا هي أنه فكر في الثورة في حدود قصرها قصرا شديدا على الأحوال السائدة في الغرب.
وقد سار الروس على هديها في حماسة، فقد كفلت لهم الشيئين اللذين كانوا في أشد الحاجة إليهما: الثقة، والنظام. إلا أنه كان يعوزهم دائما لسوء الحظ الشعور بالنسبية، فاعتنقوا المذهب في يقين صلب لا يلين، حتى إنهم بمرور الزمن أحالوه إلى قانون متحجر جامد زعموا أنهم وحدهم القادرون على تفسيره تفسيرا صحيحا.
وقد كان رسل الشيوعية الأربعة هم: ماركس، وأنجلز، ولينين، وستالين، وإن مؤلفاتهم هي وحدها التي لها السلطان دون أن تضاف إلى هذه الشريعة أية مؤلفات أو أعمال أخرى، وقد قسم هؤلاء الرسل إلى قسمين، فاختص ماركس وأنجلز بوضع أساس النظرية الشيوعية ومزاولتها في القرن الماضي، بينما اختص لينين وستالين بتطبيق مبادئها على الأحوال الجديدة التي نشأت في القرن الحالي، وقد أدخل لينين تحسينات على الماركسية في أكثر من ناحية، ولكن يصح من الناحية العامة القول بأن أهم ما عمله في هذا السبيل كان في ميدان التنظيم الحزبي والتكتيك، أما ستالين فكان أهم ما قام به نظريته التي تقول: «الاشتراكية في وطن واحد» بكل ما توحي به هذه النظرية.
وما قيل عن لينين بوصفه ممن يهتمون بالأمور النظرية يصح أن يقال عن ستالين؛ فقد كان كلاهما مدفوعين إلى توجيه النظرية الماركسية توجيها جديدا.
وكما أن لينين كان يرجع إلى ماركس، فكذلك ستالين كان حريصا كلما دعته الحال إلى الاستشهاد بلينين، فليس من قبيل الصدفة أنه أطلق اسم «اللينينية» على المجلد الذي يحتوي على أهم كتاباته وتصريحاته .
على أنه ثمة خلاف بين الرجلين؛ فإن لينين عندما اضطر بحكم ظروف لم تكن في الحسبان إلى الأخذ بسياسات ما كان ليشير بها لولا تلك الظروف، وصفها بأنها إجراءات مؤقتة، واحتمى وراء حجة «الضرورة القاسية»، بينما كشف ستالين عن هذه السياسات في وضح النهار وأكره الحزب على قبولها بوصفها تطبيقات صحيحة للمذهب الرسمي.
وقد عجل لينين بهذا الإجراء؛ ذلك أنه شعر بالحاجة إلى أن يستمد من الماركسية المبرر على كل ما كان يفعله باسم الثورة، وكان هدف الماركسيين الغربيين دولة من الطبقة العامة يتعلم فيها الناس وقد تخلصوا من أغلال الرأسمالية، كيف ينظمون الإنتاج للصالح العام؟ إلا أن ثورة أكتوبر لم تحقق هذا الهدف؛ لأنها لم تكن «عمالية» إلا بالمعنى الذي أضفاه عليها لينين الذي عرف الطبقة العاملة بأنها هي الحزب بوصفه طليعة الجماهير، وذلك القسم منها الأشد وعيا، وقد ترتب على هذا أن زعامة الحزب أضحت تعني سيطرته، وخاصة بعد ما صادف البلاد من صعاب كثيرة.
অজানা পৃষ্ঠা