ومن طبيعة الجسم الفردي أنه يحتفظ بطبيعته إذا تغيرت حركته وظلت مع ذلك محتفظة بمقدارها العام، أو إذا عرضت حركة جديدة فيه كل حركة قديمة زالت، أو إذا كان مركبا وحلت فيه أجسام فردية محل أجسام أخرى زالت، وكانت لها نفس طبيعتها. وعلى أساس هذه الفكرة الميكانيكية الخالصة، فكرة الأجسام الفردية التي تظل محتفظة بطبيعتها العامة رغم اختلاف حركاتها الداخلية، يفسر اسپينوزا الكون كله تفسيرا مماثلا، ويرسم له صورة ميكانيكية تسودها القانونية المطلقة، فيقول: «نستطيع أن نرى، مما سبق، كيف أن الفرد المركب يمكن أن يتأثر على أنحاء شتى، ويظل مع ذلك محتفظا بطبيعته. ولقد ظللنا حتى الآن نبحث في الفرد المؤلف من أجسام لا يتميز بعضها عن الآخر إلا في الحركة والسكون، والسرعة والبطء؛ أي من أبسط أنواع الأجسام. أما إذا تصورنا فردا آخر مؤلفا من عدة أفراد لهم طبائع متباينة، فسنجد أن عدد التأثرات التي يمكن أن تحل عليه دون أن يفقد طبيعته يتضاعف كثيرا ... فإذا ما تصورنا نوعا ثالثا من الأفراد، يتألف من أفراد من هذا النوع الثاني، فسنجد أنه يمكن أن يتأثر على أنحاء أعظم كثيرا من هذه، دون أن تتغير حقيقته، ومن السهل أن نمضي على هذا النحو إلى ما لا نهاية، ونتصور الطبيعة بأسرها على أنها فرد واحد، تتغير أجزاؤه؛ أي جميع الأجسام، على أنحاء لا متناهية، دون أن يطرأ أي تغيير على الفرد في مجموعه.»
46 •••
أما على المستوى الإنساني،
47
فإن نفس فكرة الضرورة هي السائدة؛ ذلك لأن الحرية التي تنسب إلى الإرادة البشرية ليست، في واقع الأمر، إلا جهلا بالأسباب. والواقع أن كل ما هو جزئي؛ أي كل ما يرتبط في وجوده بغيره، ويستمد منه عناصر ضرورية لهذا الوجود، هو بحكم هذا الارتباط ذاته فاقد لحريته، «فالشيء يكون حرا
libera
إذا وجد بضرورة طبيعته فحسب، وإذا تحدد فعله بذاته فحسب، ومن جهة أخرى يكون الشيء ضروريا، أو على الأصح مرغما
coacta ، إذا تحكم شيء خارج عنه في وجوده أو فعله على نحو ثابت محدد.»
48
ولنلاحظ، في صدد النص السابق، أن استدراكه الذي استبدل فيه كلمة «مرغم» بكلمة «ضروري» كان استدراكا لا بد منه، بل كان ينبغي عليه حذف كلمة «الضروري» تماما من سياق الجزء الثاني من التعريف؛ ذلك لأن اسپينوزا هو الذي أكد مرارا الفارق بين «الضرورة» و «القهر»، وربط، من جهة أخرى، بين الضرورة والحرية؛ فالضرورة في رأيه تحدد باطن، أما القهر فهو خضوع لقوة خارجية. ومن الممكن، بهذا المعنى، أن يكون الشيء ناتجا عن الضرورة والحرية في آن واحد: «فرغبة المرء في أن يحيا ويحب ... إلخ، ليست نتيجة لقهر، ولكنها مع ذلك ضرورية.»
অজানা পৃষ্ঠা