170

وهو تشبيه واضح السطحية، ولا يمكن أن يستدل منه على أي تأثر بتعاليم اليهودية التقليدية.

ولكن الأبلغ من ذلك دلالة أنه بدوره يجعل من اسپينوزا «مصلحا لليهودية»؛ فكتاب الأخلاق في نظره هو «التوراة الجديدة»، وهي توراة تصلح للناس جميعا، متميزة في ذلك عن التوراة القديمة التي كانت تصلح «لشعب مختار» فحسب. وفائدة هذا التجديد في نظره هي أن الجميع سيقبلونه، بحيث يؤدي بغير اليهود إلى الانزلاق دون أن يشعروا إلى التفكير اليهودي، بعد أن كان اليهودي هو الذي يسعى إلى التشبه بغير اليهودي.

66

ومثل هذا التفسير لأفكار اسپينوزا وأهدافه واضح الزيف لا يحتاج تفنيده إلى جهد كبير؛ فالمؤلف النازي لا يفترق في ابتعاده عن الروح العلمية الصحيحة عن الشراح اليهود، وهو بدوره يحاول أن يتخلص من حملة اسپينوزا الواضحة على خرافات التراث اليهودي - وهي حملة تؤدي إلى إحباط كل محاولة تبذل للتقريب بينه وبين ذلك التراث - بالقول (كما فعل

Dunner

من قبل) إنه كان يسعى إلى إصلاح التراث اليهودي، وهو يعلم أن اسپينوزا قد انتقد فكرة «الشعب المختار» عند اليهود انتقادا عنيفا، فيتخلص من هذه الصعوبة بالقول إنه ألف «توراة جديدة» لاجتذاب الجميع لا اليهودية على التخصيص، وإيقاعهم في حبائل اليهودية (ولست أدري أين تكون اليهودية عندئذ، إذا كانت هذه «التوراة الجديدة» المزعومة ذات نزعة إنسانية شاملة). وبهذا التزييف لأفكار اسپينوزا يتغلب أيضا على حقيقة أخرى تقف في وجه تفسيره؛ وهي حقيقة طرد اسپينوزا من الطائفة اليهودية؛ إذ إن هذا الطرد ليس في نظره إلا طرد أنصار التوراة القديمة لصاحب التوراة الجديدة!

وأخيرا، فإنه يجعل من اسپينوزا عدوا للأمة الألمانية؛ إذ إنه شوه أفكارا ألمانية أصيلة، مثل أفكار «چوردانو برونو» (!) وعلى حين أن غاية التفكير الجرماني هي الجمع بين روح البحث الطبيعي وبين الروح الصوفية، فإن اسپينوزا سعى إلى فصل هذين العنصرين كل عن الآخر.

67

وكما فعلنا من قبل عندما رددنا على ادعاءات الشراح اليهود بأقوال شراح يهود آخرين، فسوف نرد على مزاعم هذا الباحث «الجرماني» بأقوال باحث ألماني آخر لم يخف حماسته لاسپينوزا، بل أكد فضله على الأمة الألمانية - ذلك هو «برونر

Brunner »، الذي قال «إن الاهتداء إلى أفكار اسپينوزا قد حدث في نفس الوقت الذي مر فيه التاريخ الألماني بأهم فتراته، وهي فترة إعلان وتحرير كل ما هو عظيم نبيل في الروح الألمانية، ولا يمكن أن ينكر الدور الذي لعبته أفكار اسپينوزا في هذا الصدد إلا من يعجز عن فهم الدور الذي تلعبه الأفكار الحية، ويتجاهل الثورة الشاملة التي أثارتها عندئذ إعادة كشف اسپينوزا، الذي بعث في نفوس الجميع توترا وانفعالا شديدين، وجعل كل النفوس الحية في ذلك العصر أنصارا له، فهؤلاء، عندما اكتشفوا اسپينوزا، إنما اكتشفوا أنفسهم في واقع الأمر.»

অজানা পৃষ্ঠা