والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، ولا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وهو مرويٌ من طرق أخرى، ومسجده كان أصغر مما هو اليوم، وكذلك المسجد الحرام، لكن زاد فيهما الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام، ثم يسلم على النبي ﷺ وصاحبيه فإنه قد قال: "ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد ﵇". رواه أبو داود وغيره.
وكان عبد الله بن عمر إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف. وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه. وإذا قال في سلامه: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا أكرم الخلق على ربه يا إمام المتقين، فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي ﷺ. وإذا صلى عليه مع السلام عليه فهذا مما أمر الله تعالى به، ويسلم مستقبل الحجرة مستدبر القبلة، عند أكثر العلماء كمالك والشافعي وأحمد. أما أبو حنيفة فإنه قال: يستقبل القبلة، فمن أصحابه من قال يستدبر الحجرة، ومنهم من قال يجعلها عن يساره، واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلي إليها ولا يدعو هناك مستقبلًا الحجرة، فإن هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة، ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك.
وقوله: "أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾ . الخ".
أقول: في هذا الاستدلال فساد من وجوه:
(الأول): إن قوله دلت الآية على حث الأمة على المجيء إليه ﷺ، ماذا أراد به؟ إن أراد حث جميع الأمة فغير مسلم، فإن الآية وردت في قوم معينين كما سيأتي، وليس هناك لفظ عام حتى يقال العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد، بل الألفاظ الدالة على الأمة الواقعة في هذه الآية كلها ضمائر، وقد ثبت في مقره أن الضمائر لا عموم لها، ولذا لم يتشبث أحد من المستدلين بهذه الآية على القربة من التقي السبكي والقسطلاني
1 / 23