فهتف سمير وهو يقفز على الأرض: إنه هنا، تحت الوسادة. قال الجد وهو يمد ذراعه: ملبس؟
فأومأ سمير برأسه موافقا: وفيها طوفي أيضا.
ووضع الجد العجوز ملبسة في فمه صار يلوكها بين فكيه العاطلين من الأسنان، وابتسم راضيا، ومد يده بالكيس إلى سمير: خذ واحدة. خذ. فهتف سمير متحمسا وهو يقفز على الأرض: لا يا جدي، إنها لك، كلها لك.
وانفلت يجري مسرورا.
1956م
شجرة عيد الميلاد
يا جدي العزيز، ما أشد حنين إليك! منذ أن رحلت عن قريتنا العزيزة، وعن بيتنا القديم، وأنا أفكر في العودة إليك. لم يبق لنا غيرك. بعد وفاة المرحوم أبي، أما تزال غاضبا علي؟ لن أسألك الصفح عن غربتي عنك؛ فأنا أعرف أن قلبك الرحيم يغفر كل الذنوب، ولكن أسألك عن صحتك أنت، أما تزال تعاني من ذلك المرض الكريه؟ وأم ستيتة، هذه العجوز الطيبة القلب، أما تزال تردد أنني ناكر للجميل؟ سامحها الله. أنا عائد في هذا الأسبوع. وعلى فكرة، نسيت أن أقول إنني سأحمل معي ولدي الوحيد «نيني». يا ليتك تراه يا جدي العزيز! إنه جميل نضر كوردة منداة. سأحضره معي حتما، وسوف يلعب معك، ويحبو على قدميه ليقبلك، ويعانقك. نعم إنه كالدمية الصغيرة. شعره الأصفر المنسدل، يا ليتك تلمسه بيدك الكريمة! سوف تحبه كثيرا، وسوف تضمه إلى صدرك، وتضعه على حجرك، وتهدهده لينام، كما كنت تفعل معي، ولكن هل تعرف هذه المفاجأة؟ إننا سنحتفل بعيد ميلاده الثالث، في بيتنا القديم. سوف تكون حفلة شائقة، وسوف تنور بيتنا الأنوار الزاهية.
سلامي إليك يا جدي العزيز، وانتظروني في قطار المساء، في يوم الأربعاء. كان هذا هو الخطاب الذي حمله ساعي البريد في ذلك الصباح.
أما ما زلت أذكر صوته المتحشرج وهو ينادي: جواب من مصر! جواب من مصر!
طرت أقفز السلالم الخشبية درجات درجات، وكأني إحدى البطات التي نربيها في بيتنا حين تهرع جائعة إلى الطعام! ونزل ساعي البريد عن حماره العجوز، وصبية الحارة الصغار يقفزون من حوله ويحاولون أن يفتحوا جرابه المنتفخ وكأنه خزانة الأسرار. واستقبلته أنفاسي المبهورة قبل يدي، وطرت إلى جدي وأنا ألوح بذراعي في الهواء. ولم أنس أبدا أن ألتفت ورائي لألقي نظرة على صبية الحارة المذهولين الغيورين. «جواب يا جدي. جواب من مصر.» وألقيت الخطاب في حجره، وانحنيت عليه أريد أن أضمه وأقبل لحيته الكثة البيضاء، كأني عائد من قلب غابة مجهولة الدروب ومعي صيد ثمين. وأنصت إلي جدي المقعد وأنا أتلو عليه رسالة أخرى، في لغة ركيكة، ولسان متلعثم. «بالسلامة يا ابني. بالسلامة يعود.» وافتر ثغره العاري من الأسنان عن بسمة واسعة.
অজানা পৃষ্ঠা