ولمَّا يبلغِ العشرين، فما بالُكَ به وقد نيف على الأربعين وقارب أن يتم العقد الخمسين؟!
جِماعُ الأسباب التي نَجح بها فقيدنا طهارةُ نفسه من المطامع الأشعبية، وشغفه بالعلم للذته، ونفعه في إِنارة القلوب، واعتقاد أنَّه منج في الدُّنيا والآخرة، فهو لم يجعل الدِّين سُلَّمًا إِلى الدُنيا وجسرًا مؤقتًا يجتاز عليه لحيازة مظهر خلَّاب، والتَّصدر في المجالس بمفاخر الهندام، وبرَّاق الثياب، بل فرَّغ قلبه ووقته للعمل النافع فَبُورِكَ له بساعاتِ عمره القصير ويا للأسف!
ولو عددنا ما كتبه من مصنفات وقسناه بالنسبة لهذا العصر الذي أضحت فيه بضاعة العلم مُزجاة بائرة لما قل عن اللِّحاق بالمكثيرين من التأليف في المتأخرين أمثال السُّيوطي، وابن السُّبكي، وأضرابهما مع ملاحظة ما بين العصور والبيئات من الفوارق.
• تذرَّع الفقيد بعامة ذرائع النفع لهذه الأُمة، فكان إِمامًا في تآليفه الوفيرة، إِمامًا في دروسه الكثيرة، إِمامًا في محرابه ومنبره ومصلاه، رأسًا في مضاءِ العزيمة، رأْسًا في العِفَّةِ، وهذه الصفة هي السِّرُّ الأَعظم الذي دار عليه محور نبوغه، لأَنه لو صانع طمعًا في حطام الدُّنيا لما خرج عن صفوف أهل محيطه، ولكان عالمًا وسطًا، يشتغل بالتافهات ويعيش في تقية ويموت كذلك.
• كان أجزل الله ثوابه إِذا لقيه المُماحك في أحد المجامع عرضًا أو غشيه في درسه وبيته ناقدًا أو ناقِمًا علَّمه من حيث لا يشعر، وهداهُ إِلى المحبة بلين القول، فإِذا أيقن أنَّه من المكابرين المموهين أعرض عنه وقال
1 / 12