ثم التفت إلى جريجوار وقال: هيا أيها الصديق، فقد أزف الوقت.
فتنهد المسكين ورفع عينيه إلى النافذة، ولما وجدها على حالها اضطر مرغما أن يرقد على اللوح المشئوم، وحينذاك اقترب عبدان كان إيفان قد اتخذهما مساعدين له، فربطا يدي جريجوار من الرسغ إلى وتدين مثبتين على مسافة من اللوح، ورجليه إلى وتدين مثلهما من خلفه، ثم أدخلا رأسه في طوق من الخشب، ولما رأى الضابط أن لم يبق ثمة موجب للتأخير، وأن النافذة لم تزل مقفلة، أشار إلى رجاله قائلا: هيا.
فسأله إيفان صبرا حتى يفك عقدة طرأت في الكنوت مؤملا أن تنفتح في تلك الأثناء النافذة، ويأتي ملك الرحمة بالعفو والسماح، فانتظر الضابط ولبث إيفان يتظاهر بفك العقدة دقائق معدودات حتى ضجر المتفرجون ونبه ضجيجهم الضابط وكان مشغولا عن نفسه، فتنبه ونظر إلى النافذة ثم إلى إيفان، وصاح به بصوت آمر لا يود لأمره ردا ولا تأخيرا قائلا: أما انتهيت؟ نفذ الأمر بلا إبطاء.
فلم يسع الجلاد إلا أن يصدع بالأمر، فتهيأ للتنفيذ وتقهقر خطوتين إلى الوراء، ثم عاد إلى مكانه، وهب على أخمصيه رافعا الكنوت فوق رأسه - حيث أدارها في الفضاء مرارا - ثم نزل بها على جسم المجرم فجلده جلدة التفت بها الكنوت حول الجسم التفاف الأفعى، غير أن طرفها الحديدي لم يمسه، بل أصاب اللوح الخشبي، ومع ذلك صرخ الحلاق صراخا دوت له الآفاق، وقال إيفان: واحد.
وعند ذلك رفع الضابط رأسه إلى النافذة فوجدها لم تزل مقفلة، فأدار وجهه بسرعة نحو المضروب وكرر قول الجلاد: واحد.
ثم خلص الجلاد الكنوت عن جسم جريجوار؛ فظهر مكان وقعها منه خطوطا زرقاء كالنيلة، ثم هب إيفان على أخمصيه ثانيا، وجلده جلدة كالأولى متحاشيا أن تصل ألسنة الكنوت إلى جسم المضروب، فصرخ جريجوار ثانيا، وقال إيفان: اثنان.
وعند ذلك ظهر الدم وراء جلد المضروب، وفي الجلدة الثالثة ظهرت على البشرة بعض نقط منه، وفي الرابعة سال الدم، وفي الخامسة أطارت الكنوت جزءا من الدم فأصاب وجه الضابط، فاشتغل بمسحه بمنديل واغتنم إيفان فرصة انشغاله؛ فبدلا أن يقول في الجلدة التالية: ستة، قال: سبعة، ولم ينتبه إليه الضابط، وفي الجلدة التاسعة أوقف إيفان الضرب محتجا بوجوب تغيير الكنوت، ومؤملا أن تأتي الرحمة، ولما عاد إلى موقفه وابتدأ في الضرب عد الجلدة الحادية عشرة مكان العاشرة.
وفي ذلك الحين فتحت نافذة مقابلة للنافذة التي كانت محط الآمال، وظهر منها رجل يختلف سنه بين الخامسة والأربعين والخمسين مرتد بكسوة الجنرالية، وأشار إلى القوم قائلا: كفى، أحسنتم.
ثم قفل النافذة، وعند فتح النافذة كان الضابط قد أدار وجهه نحوها، والتزم الوقفة الحربية رافعا يده إلى رأسه؛ لأداء السلام العسكري، ولما قفلت النافذة؛ كرر قول الجنرال: كفى. فأوقف إيفان يده عن الضرب والتفت إلى جريجوار قائلا - وهو يطوي سيور الكنوت: اشكر يا جريجوار سعادة الجنرال، فإنه عفا عن جلدتين.
ثم مال إلى المضروب؛ ليفك قيوده، وهمس في أذنيه قائلا: ومع الجلدتين اللتين غالطتهم فيهما قد كفاك الله شر أربع جلدات.
অজানা পৃষ্ঠা