أما الجنرال فالتفت إلى ابنته قائلا: أي فاننكا، ما هذا الفتور الذي تقابلين به صديقا مخلصا، سبب لنا بعده من الآلام قدر ما جلب لنا قربه من السرور؟! هيا يا ولدي فيدور وقبل ابنتي.
فهب فيدور واقفا وعيناه ناظرتان إلى فاننكا ترجوان تحقيق أمنية حبيبها بإطاعة أمر أبيها، ولكنه لبث ساكتا هائبا منتظرا منها إشارة تشجعه على أن يصدع بالأمر.
فنظرت إليه فاننكا باسمة، وقالت وهي تجتهد في كتم الاضطراب الذي تولاها: ألم تسمع ما قال أبي؟
فأدنى فيدور شفتيه من خد فاننكا، وكانت يدها لم تزل في يده، فشعر كأن تلك اليد قد ضغطت على يده ضغطا خارجا عن إرادتها، دفعها إليه عامل نفساني خفي، فكاد أن يصيح فيدور من الفرح، لولا أن اندهش لما رأى وجه فاننكا باهتا، وشفتيها قد ابيضتا من الانفعال.
ولم تكن المائدة قد رفعت، فأجلس الجنرال فيدور معه عليها وجلست فاننكا مكانها، ولما كان مجلسها بعكس الضوء لم يتمكن الجنرال من رؤية آثار الانفعال البادية على وجهها، وبالتالي فلم يكن مرتابا فيها على الإطلاق؛ لجمودها وكتم عواطفها كما شاهدنا.
وانقضت فترة الغذاء في ذكر التجريدة العجيبة التي ابتدأت تحت شمس إيتاليا المحرقة، وانتهت فوق ثلوج سويسرا الدائمة، ولما كانت الجرائد في بطرسبرج لا تنشر إلا ما تسمح إرادة القيصر بنشره، فقد علم القوم ما أوتيه سوفاروف من النجاح، ولم يعلموا ما أصابه من الفشل، فروى فيدور للجنرال أخبار التجريدة بحرية ضمير وصدق رواية معددا مآثر الجيش فيها، ومبينا مواقع الخطأ منها.
وقد أصغى الجنرال لقصة فيدور حتى أتمها، ولم يذكر الفتى عن نفسه مأثرة تواضعا منه، على أن الوسامات المزينة لصدره كانت شاهدة بجليل أعماله.
وفي الغد زار الجنرال شرميلوف الفلدماريشال سوفاروف في منزله، فعلم منه ما أتاه فيدور من الأعمال والمآثر، فلما اجتمع به في المنزل وقد انعقد سمط العائلة، أخذ الجنرال يعدد مناقبه ويشكر همته وشجاعته، ووعده - مكافأة على حسن خدمته في الجيش - أن يسعى لدى القيصر حتى يصرح له باتخاذه ضمن أركان حربه، فلما سمع فيدور هذا الوعد كاد يطير من الفرح، ولكي يبرهن له الجنرال أنه واثق من نجاح مسعاه لدى القيصر أمر بأن يخصص لفيدور في الحال مكان في القصر لإقامته، وفي الغد أجيب الجنرال إلى طلبه، وصار فيدور ضمن أركان حربه، فلا تسل عما شمل الفتى من السرور، وقد تحققت جل أمانيه، حيث أسعده الدهر بأن يظله وفاننكا منزل واحد، فيراها كل حين، ويتمكن من الجلوس معها مرتين في اليوم على مائدة الطعام، فظن الفتى حينذاك أنه أسعد البشر، وأن هذه السعادة تكفيه، وفيها تنحصر كل آماله.
أما فاننكا فإنها من حين أن شاهدت فيدور وقد تمثل أمامها يودعها قبل السفر أحست بميل إليه، لا سيما وقد تأكدت صدق حبه لها، وما زال ذلك الميل يزيد بابتعاده عنها، حتى رجع فيدور حائزا لدرجات الرقي وعلامات الشرف، فسرت ليس فقط بقدومه؛ إنما على الأخص برقيه إذ اجتاز جزءا من الطريق الذي يوصله إليها، ويجعله جديرا باتخاذها زوجة له، فخفضت من كبريائها، ورأت أن لفيدور مكانا في قلبها كاد يشغله كله، ولكن تغلبت طبيعتها على عواطفها، فكتمت حبها في صدرها، وكان بودها أن تفتح له يوما ما أسرار فؤادها وتبوح له بهواها، إنما صممت على أن تكتم ما بها فلا يلحظ فيدور منها أقل إشارة تدل على حبها له حتى يأتي اليوم الذي ترى فيه الساعة قد حانت للاعتراف له بالهوى.
الفصل السابع
অজানা পৃষ্ঠা