وصل مبعوثا قريش إلى النجاشي وقدما الهدايا إليه وإلى أعيان دولته وحاشيته وبطارقته ، ثم فتحا حوارا معه نقلته إحدى المهاجرات المؤمنات ، وهي ام سلمة زوج أبي سلمة عبد الاسد بن هلال بن عبد الله آنذاك ، فقالت بعد وصف لاوضاع المهاجرين الطيبة وحياتهم المستقرة بجوار النجاشي :
« قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه ، فقالا له : أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم ، فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه ، قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي » (1).
وما أن أنهى المبعوثان كلامهما حتى عقب البطارقة الذين كانوا حول النجاشي والذين روضت مشاعرهم وملكت نفوسهم الهدايا التي تسلموها ، عقبوا بالتأييد وطلبوا من النجاشي الاستجابة إلى الطلب وتسليم المهاجرين إلى قريش .
إلا أن النجاشي كان رجل دهاء وبصيرة ، وصاحب قيم ومقاييس أخلاقية ، فلم يخضع لاقتراح الحواشي ، ولم يستجب لضغط النفوس الضعيفة التي تأثرت بالهدايا ورضيت بالمال مقابل التنازل عن القيم والخلق الرفيع ، فغضب مما سمع وقال :
« لاها الله إذن لا اسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني »(2).
طلب النجاشي حضور جعفر بن أبي طالب وأصحابه في مجلسه ، ثم دعا أساقفته فحضروا مجلس الحوار والمناظرة وقد نشروا مصاحفهم حوله، وبدأ الحوار العقائدي مع المهاجرين
পৃষ্ঠা ৬৩