সিরাত মুলুক তাবাসিনা
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
জনগুলি
الجزء الأول
مقدمة الجزء الأول
1 - حروب التبع أسعد اليماني في الصين
2 - وصية كاهنة الجبل
3 - التبع حسان يفني قوم زرقاء اليمامة
4 - الهجوم الليلي والتخفي بأغصان الأشجار
5 - حصار الشام وفلسطين
6 - تحقق نبوءة زرقاء اليمامة
7 - خديعة التبع المتجبر
8 - العرس الدامي
অজানা পৃষ্ঠা
9 - اغتيال الصحصاح ابن التبع حسان
10 - انتقام البسوس
11 - التبع ذو اليزن يحكم حمير
12 - البحث عن كتاب النيل ومنابعه
13 - ملك بعلبك يجمع مستشاريه
الجزء الثاني
مقدمة الجزء الثاني
14 - التعريب داخل أفريقيا
15 - مؤامرة ملك الحبشة لقتل ذو اليزن
16 - زواج ذو اليزن من قمرية
অজানা পৃষ্ঠা
17 - جنون ملك الحبشة
18 - مراسم عرس التبع
19 - قمرية تأخذ مكان ذو اليزن
20 - ذو اليزن التبع المحتضر
21 - الحرب الضروس في القرن الأفريقي
22 - حروب النيل
23 - سيف أرعد يصرخ: ولدي جثة بلا رأس
24 - مهد التباعنة
25 - سيف بن ذي يزن تبع حمير المنتظر
26 - سيف يفك حصار مدينة أفراح
অজানা পৃষ্ঠা
27 - موت قمرية
28 - الرحيل إلى مصر العدية
29 - سيف يتوغل في أصفهان
30 - اغتيال الملك سيف بأحراش الدلتا
الجزء الأول
مقدمة الجزء الأول
1 - حروب التبع أسعد اليماني في الصين
2 - وصية كاهنة الجبل
3 - التبع حسان يفني قوم زرقاء اليمامة
4 - الهجوم الليلي والتخفي بأغصان الأشجار
অজানা পৃষ্ঠা
5 - حصار الشام وفلسطين
6 - تحقق نبوءة زرقاء اليمامة
7 - خديعة التبع المتجبر
8 - العرس الدامي
9 - اغتيال الصحصاح ابن التبع حسان
10 - انتقام البسوس
11 - التبع ذو اليزن يحكم حمير
12 - البحث عن كتاب النيل ومنابعه
13 - ملك بعلبك يجمع مستشاريه
الجزء الثاني
অজানা পৃষ্ঠা
مقدمة الجزء الثاني
14 - التعريب داخل أفريقيا
15 - مؤامرة ملك الحبشة لقتل ذو اليزن
16 - زواج ذو اليزن من قمرية
17 - جنون ملك الحبشة
18 - مراسم عرس التبع
19 - قمرية تأخذ مكان ذو اليزن
20 - ذو اليزن التبع المحتضر
21 - الحرب الضروس في القرن الأفريقي
22 - حروب النيل
অজানা পৃষ্ঠা
23 - سيف أرعد يصرخ: ولدي جثة بلا رأس
24 - مهد التباعنة
25 - سيف بن ذي يزن تبع حمير المنتظر
26 - سيف يفك حصار مدينة أفراح
27 - موت قمرية
28 - الرحيل إلى مصر العدية
29 - سيف يتوغل في أصفهان
30 - اغتيال الملك سيف بأحراش الدلتا
سيرة الملوك التباعنة
سيرة الملوك التباعنة
অজানা পৃষ্ঠা
في ثلاثين فصلا
تأليف
شوقي عبد الحكيم
الجزء الأول
مقدمة الجزء الأول
الملوك التباعنة
خلال إقامتي في بريطانيا التي امتدت نحو ثماني سنوات، كنت أتردد خلالها على مكتبة المتحف البريطاني، عثرت على مخطوطة هذه السيرة الملحمية الكبرى «للملوك التباعنة» الذين ورد ذكرهم بالقرآن الكريم بضع مرات، ولا نعرف عنهم شيئا، إلى أن وقعت هذه السيرة بين يدي، فعكفت على دراستها، وتعرفت من خلالها على ذلك التاريخ الغابر لأقوام وكيانات وقبائل جنوب الجزيرة العربية في اليمن ودول الخليج وعدن وحضرموت وسبأ وذي نسور، لسير الملوك التباعنة الذين كانت لهم حضاراتهم الغابرة أو المندثرة، جابوا ربوع الشرق الأقصى وأواسط آسيا، ووصلت جحافلهم حتى تخوم الصين، وأوصلوا التعريب إلى مناحي القارة الآسيوية، متضمنة: شبه القارة الهندية وأفغانستان، والباكستان، وتركستان وأذربيجان وبلوخستان، وعشرات الكيانات الإسلامية التي تنتهي بما هو متعارف عليه بكلمة «ستان» داخل منظومة الاتحاد السوفييتي القديم، كما نجدهم في الشيشان وغيرها.
ومن هنا - وبلا جدال - كان التعريب أسبق من الإسلام، بل هو الذي مهد الطريق له ليواصل فتوحاته وانتشاره في المشرق والمغرب، وعلى رأس من لعبوا واضطلعوا بهذا الدور هم ملوك التبابعة أو «التباعنة» الذين كان يحلو للتبع منهم القول: «قد دعتني نفسي أن أنطح الصين.»
وبالفعل كان يعد الجيوش الزاحفة إلى تخوم الصين، ويواصل فتوحاته داخلها، وهو ما كشفت عنه الحفائر الأركيولوجية التي أثبتت، بما لا يترك مجالا للشك، وصول تلك الأقوام العربية المحاربة إلى تلك البلاد الموغلة في البعد، والتي خلفت آثارها وتراثها الحضاري والإثني في هذه البلاد، ويكفي القارئ معرفة أن من بين أولئك الملوك «التباعنة» «بلقيس ملكة سبأ» ومعاصرتها للملك الحكيم سليمان بن داود، وهذا في أحقاب لاحقة، كما يكفي معرفة أن حضارات بكاملها كانت موجودة ومتعارف عليها حفريا في ربوع الشام وفلسطين، وتعرف باسم «تدمر» وهو اسم إحدى الملكات اللائي ينتمين للملوك التباعنة، فهي ابنة حسان اليماني المتعارف عليه شعبيا باسم «ذو اليمنين» وهو ما كان يطلق عليه.
كما أن من بين أولئك الملكات المنتميات أيضا للملوك التباعنة الملكة المعروفة: «زانوبيا» التي قاومت الإمبراطورية الرومانية طويلا إلى أن وقعت في الأسر وسحبت كأسيرة هي وعرشها إلى روما في حوالي عام 200 قبل الميلاد.
অজানা পৃষ্ঠা
أما آخر الملوك التباعنة فهو الملك «ذو اليزن» المعروف بسيرته الكبرى، وكذلك ابنه الملك «سيف بن ذي يزن»، وهذان الملكان بالذات لعبا الدور الأكبر في التعريب داخل القارة الأفريقية، بدءا بمصر والسودان، أو بالأصح بدءا بالقرن الأفريقي المتاخم لليمن وإثيوبيا والسودان ومصر، وبقية ربوع القارة الأفريقية بشكل عام، حتى إذا ما جاءت الفتوحات الإسلامية وجدت الأرض ممهدة لاستنبات وانتشار الإسلام في القارة الأفريقية أو جانبها الأعظم الذي لم يندحر إلا مع بداية رحلات الاستكشاف الأوروبية وما تبعها من رحلات تبشيرية، وتحول بعض هذه البلدان والأقوام الأفريقية إلى المسيحية.
1
كذلك ترد مأثورات التباعنة في قصة أوفابيولة «زرقاء اليمامة»؛ تلك الأميرة واسعة البصيرة، والتي حذرت قومها من غزو الملوك التباعنة، حين صعدت إلى أعلى أبراج المدينة وظلت تهيب بقومها صارخة:
يا جديس يا قوم، لقد مشت إليكم الأشجار وجاءتكم حمير.
يا جديس يا قوم، لقد مشت إليكم الأشجار وجاءتكم حمير.
وبالفعل أنهى أولئك الملوك التباعنة حضارات وأقواما أو كيانات سابقة، مثل قبائل: عاد وثمود وجديس وطسم والعماليق ورائش؛ أي حوالي اثنتي عشرة قبيلة وكيان فنيت بكاملها من الوجود في ذلك الوقت المبكر السابق للإسلام أو ما تعارفنا عليه بالجاهلية، وإن كانت تلك الجاهلية تزخر بالعديد من الأحداث والحضارات والفتوحات الموغلة في القدم، وفي العصبيات والتطاحن العرقي والقبلي، واعتبار الحروب والقتال، نوعا من الرياضيات القومية؛ اتساقا مع مقولة الأب السالف لهذه الأقوام الحميرية، وهو يعرب بن قحطان - أو يقطان - أبو العرب أول من تكلم العربية. - أيها الناس إن لم تقاتلوا الناس قاتلوكم، وإن لم تسبوهم سبوكم؛ فقاتلوهم قبل أن يقاتلوكم؛ فليس جمع خيرا من جمع، ولكن جد خير من جد. •••
وفي الجزء الثاني من هذا الكتاب، نتعرض لآخر الملوك التباعنة، وهما: الملك ذو اليزن وابنه الملك التبع سيف بن ذي يزن.
فقد لعب الملك «ذو اليزن» وابنه الملك سيف الدور الهام في التعريب داخل ربوع القارة الأفريقية، وتذكر سيرتهما أن كلا منهما كان يبحث عن «كتاب النيل»، وهو ما يمكن أن يكون مرادفا للبحث عن منابع النيل؛ ذلك أنهما كانا متفوقين إلى أقصى حد في تلك الفترة الموغلة في القدم بالنسبة للسدود المائية والتحصينات الزراعية، ويكفي أن نعرف أن سد مأرب كان واحدا من بين ثمانية وثلاثين سدا منتشرة في ربوع اليمنين وبلدان الجنوب العربي، فقد كانت حضارة زراعية هائلة بما يسر لها من الحركة والتجوال والفتوحات، وخاصة وأن هذه البلدان أيضا هي التي كانت تشكل الجنوب العربي، وكانت بلدانا أو شعوبا ذات صفة بحرية نتيجة لوقوعها على بحر العرب أو الخليج العربي، واتصاله بالمحيط الهندي، من هنا كان يطلق عليهم «فينيقيو البحر الجنوبي».
2
فإذا ما كان هناك فينيقيو البحر الأبيض المتوسط في الشام وفلسطين، فأولئك كانوا فينيقيي البحر الجنوبي وكانوا كشعوب بحرية، تمكنوا من التوغل في ربوع آسيا الوسطى والشرق الأقصى حتى تخوم الصين ذاتها، والأكثر أهمية ما يذكره التاريخ - المندثر - لأولئك الملوك «التباعنة» أن سبعة فراعنة خرجوا منها وحكموا مصر.
অজানা পৃষ্ঠা
3
ولعلني أسوق افتراضا بسيطا لا أعرف بالتحديد مداه، وهو أن باليمنين والجنوب العربي وعمان، توجد جبال نحاس هائلة، فهم يمتلكون إلى اليوم أكبر احتياطي نحاس في العالم كله، بمعنى أن العالم يمتلك جزئية صغيرة، ولكن الغالبية العظمى لاحتياطي النحاس في العالم ما زالت موجودة في اليمنين والجنوب العربي، بما ستكشف عنه الأبحاث المستقبلية، وهو ما كان يساعد على صناعة الأسلحة المستخدمة في ذلك الوقت من سيوف وخناجر ما تزال ماثلة إلى الآن.
4
خلاصة القول أن هؤلاء الملوك «التباعنة» هم أسلاف حضارة أكثر سبقا، وهي حضارة قحطان أو يقطان كما يذكر في العهد القديم، هي حضارة لا أغالي إذا ما قلت: إنها انتقلت مبكرا ربما منذ الألف الثاني قبل الميلاد إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، وعرفت بنفس الاسم فيما بين المكسيك وبيرو، والملفت للنظر أن بها معظم الجسد الشعائري والعقائدي والفولكلوري أو التراثي - بعامة - للعرب، كما أن بها أهرامات يبدو أنها نقلت بكاملها من مصر، وربما هذا ما دعا أحد المستكشفين أو الرحالة النرويجيين منذ حوالي عشرين سنة إلى محاولة إثبات كيف انتقلت هذه الحضارة وبخاصة أهرامات مصر إلى أمريكا الجنوبية، وكان المقصود بها حضارة قحطان أو يقطان أسلاف الملوك «التباعنة».
أما بالنسبة لسيرتنا عن هؤلاء الملوك فتبدأ بإعداد الملك التبع «أسعد اليماني» لتسعة ملوك متحالفة تحت إمرته مثل أجاممنون في حرب طروادة متخذا قراره القائل: «قد دعتني نفس أن أنطح الصين.»
وهكذا واصل الزحف كملك الملوك - أجاممنون - إلى تخوم الشرق الأقصى والصين، إلا أنه وقع فريسة لخيانة أحد ملوك الصين، الذي أوعز إليه بالمساعدة وتعرف الطرقات والمسالك، بينما كان يضمر له خيانة كبرى أوقعت به وبجيوشه في الكثير من المآزق والخسائر حتى إنه فقد أربعة من أبنائه في تلك الغزوة، اعتاد كل مساء أن يحضر رءوسهم على صينية من الذهب الخالص مغطاة بالرماد ويظل يبكيهم نادبا قبل أن يأوي إلى فراشه.
وعندما تعرف على خيانة الملك الصيني استقدمه وقطع لسانه من دابره، ثم وضعه في قفص ضخم من الذهب الخالص وأجلسه مقربا من مجلس حكمه كما كان يتعامل معه من قبل في كل اجتماع من اجتماعاته، حتى مجالس حربه ليصبح بلا فائدة تذكر، فلا يتكلم أو ينطق وجعل منه عبرة للخيانة على هذا النحو، إلى أن قرر مجلس حربه العودة بالملك التبع أسعد اليماني والانسحاب من مجاهل الصين والرجوع إلى اليمن والجنوب العربي.
وقبل أن توافي المنية ذلك التبع المتجبر أسعد استقدم ابنه التبع الذي سيخلفه على عرش حمير وعلى التباعنة، وهو «حسان اليماني» الذي عرف في الوجدان الشعبي من المحيط إلى الخليج بذي اليمنين، قائلا له: لا تضجعوني فيضطجع ملككم، بل ادفنوني واقفا ليظل ملككم شامخا.
وهكذا دفن ذلك التبع السلف أسعد واقفا في أعماق الصخر.
وعادت الجموع إلى عدن وسبأ وذي النسور وحضرموت بعد أن وزعت الغنائم التي أشرفت عليها الكاهنة الأم الكبرى أو قائدة الجيوش التي كان لها ثلث المشورة، كما هو متفق عليه بالنسبة للكاهنات المحاربات كأثينا في حرب طروادة، والجازية في حروب الهلالية، وهي «البسوس».
অজানা পৃষ্ঠা
وحين مات استدعت البسوس حسان بن أسعد ليكمل مشوار التبع والده ، بضرورة الالتزام بوصيته وهي الذهاب إلى كاهنة «جبل ضهر» وتنفيذ كل ما تشير عليه من مشورة؛ قائلة: في كل ما تشير عليك به كاهنة جبل ضهر اسمع لقولها. حتى إذا ما ذهب إلى كاهنة جبل ضهر بادرته قائلة: لقد تأخرت كثيرا، فقال: عن ماذا؟ قالت: عن حكم حمير، فمن مغارة جبل ضهر هذه خرج سبعة فراعين عظام حكموا مصر، وأجلسته على كرسي من الذهب الوهاج مغطى بالحيات والعقارب؛ قائلة له آمرة: اجلس، فجلس، وأشارت عليه بقتل أول من يصادفه حين خروجه من باب مغارتها خارجا، وكان أول من صادفه هو أخوه الوحيد المدعو «عمرو ذو الأزعار» إلا أنه تردد في قتله وأصابته حمى حاوطته إلى أيام، وما إن فاق منها حتى احتضن أخاه عمرو ووضع خنجره في جنبه وقتله.
وهكذا حكم ذلك التبع حسان اليماني ولقبه ذو اليمنين حمير وتوابعها، واتخذ وزيرا له اشتهر بالحكمة والعدل يدعى «يثرب» فقربه منه إلى أن استقدمه ذات مساء وأنشد قائلا:
يقول التبع اليمني المسمى
بحسان فما للقول زورا
ملكت الأرض غصبا واقتدارا
وصرت على ملوك الأرض سورا
وطاعتني الممالك والقبائل
وفرسان المعامع والنسورا
لقد أخبرت عن بطل عنيد
شديد البأس جبارا جسورا
অজানা পৃষ্ঠা
وقالوا إنه يدعى ربيعة
أمير قد حوى مدنا ودورا
تولى الأرض في طول وعرض
فكم أخرب وكم شيد قصورا
فقصدي اليوم أغزوه بجيشي
وأترك أرضه قفرا وبورا
أسير بهم إلى تلك الأراضي
وأملك للقلاع وللقصورا
ويبقى الحكم لي برا وبحرا
ويصفو خاطري بعد الكدورا
অজানা পৃষ্ঠা
وهكذا أمر ذلك التبع حسان بدق الطبول النحاسية العملاقة المعروفة لدى «تباعنة» اليمن «بالرجروج» وهو أعظم الطبول، كان يدقه عشر من العبيد الفحول، وهو من صنعة ملوك التباعنة العظام، وهكذا سار بالجيش إلى أن افتتح الشام وفلسطين.
وكما هو معروف تتشابك - أو تتزاوج - هذه السيرة المندثرة على طول البلدان العربية، التي لم أعثر لها على أثر خلال سنوات جمعي للمأثورات الشفهية والسير على مدى أربعين عاما، مع سير أخرى إلا في مخطوطة مكتبة المتحف البريطاني تتشابك مع سيرة أخرى تؤرخ لحرب البسوس القبائلية الشهيرة، التي امتدت 41 عاما على طول ربوع لبنان والشام وفلسطين.
أما الجزء الثاني من هذه السيرة فيتضمن تاريخ آخر التباعنة، وهو الملك ذو اليزن وابنه الملك سيف.
شوقي عبد الحكيم
القاهرة، يوليو 1996
الفصل الأول
حروب التبع أسعد اليماني في الصين
حين استشرى السقم والمرض بالملك - التبع - أسعد اليماني، الجد السالف للملك سيف بن ذي يزن، وهو يغزو بجيوشه المتحالفة الجرارة تخوم الصين آثر أمراؤه وقادة فيالقه الاجتماع والتشاور في ذلك المصاب الفادح الذي نزل بملكهم التبع أسعد، ومضى يمتص منه رحيق حياته يوما بعد يوم، حتى إنه لم يعد يقوى على القيادة والمنازلة واتخاذ القرار، ومواصلة الزحف المتلاحق لافتتاح المدن على طول غرب آسيا وأواسطها مرورا ببلاد الهند والسند وأذربيجان والتركستان، إلى أن وصلت جيوشه العربية إلى أعلى تخوم الصين.
وكان لا يكف لحظة عن معتقده الدفين الراسخ المتوارث عن جده الأعلى قحطان. - أيها الرجال، إنكم إن لم تحاربوا الناس حاربوكم، وإن لم تغزوهم غزوكم، لا مكان لمغلوب على ظهر هذه الأرض وما عليها من بشر ودواب.
الآن لم يعد الملك التبع يقوى على مجرد الكلام، بل لقد ثقل لسانه وبردت أطرافه، ولم يعد يشير إلى نبض الحياة فيه، سوى حدقتي عينيه الجاحظتين اللتين تتحركان في ريبة واستطلاع لكل ما يحيط به، وهو راقد على فراشه، حتى لوجهي ولديه «عمرو وحسان».
অজানা পৃষ্ঠা
وإن حدث ونطق لسانه سوءا تعبيرا عن غله وحقده الدفين، نطق باسم ذلك الملك الصيني الذي اتخذه دليلا، يقوده وجنوده داخل مجاهل بلاد الصين، فكان أن غرر به الدليل الحليف إلى أن أفقده طريقه وهدفه وأضاعه داخل تلك البلاد المترامية، بوهادها وجبالها الشاهقة وأنهارها وصحاريها الجرداء. - ذلك الدليل الآسيوي الخسيس.
ورغم أن التبع حسان، أدرك بنفسه في نهاية المطاف خيانة حليفه، فأوقع به انتقامه على مرأى من قومه وقبائله وزوجاته وجواريه وأبنائه، وذلك بأن استقدمه ذات ليلة وواجهه بادعائه وخداعه، وما انتهى إليه أمر الجيش العربي.
وحين أسقط في يد ذلك الملك الدليل المتآمر، وحاول معاودة الدفاع عن نفسه، استل التبع حسان من فوره خنجره من وسطه وتقدم منه على مرأى من الجميع، واستخرج لسانه من فمه وقطعه عن آخره بخنجره المشرع. - الآن أريحك من هذا اللسان الكاذب.
ولم يكتف بهذا، بل إن التبع اليمني سجنه داخل محفة أو قفص من الفولاذ للحكم وأمر حرسه وحجابه بوضع القفص إلى جانب قاعة عرشه، وهو بداخله حي يرزق يرقب ويعي ما يحدث من اجتماعات وخطط - كما كان في السابق - دون أن ينطق بكلمة ... بحرف.
ومن هنا اكتفى الملك أسعد بمراقبة تعبيرات وجهه وهو يسمع ويرى مسار الخطط الغازية لبلاده، دون أن يقوى على النطق والحركة، بعدها ساءت حالة الملك وحل به السقم هو بدوره، من صديقه الصيني، الحميم الذي أولاه كل ثقته، ولم يحصد منه سوى الخيانة والمرارة والضياع في مجاهل هذه البلاد سنوات طويلة. - أهكذا يصنع بالصديق!
فكثيرا ما كان التبع أسعد يمضي يشاركه طعامه وشرابه وحدهما داخل قاعة عرشه، كما كانا سابقا، وقبل افتضاح أمره، طارحا عليه كل ما يعن له من أمور حقيقية؛ سائلا: ما رأي صديقي؟
متلقيا إيماءاته من داخل سجنه وأصفاده متلمسا بنفسه صحة أقواله أو إيماءاته مدركا خسيسها من أصيلها، وله طبعا القرار الأخير.
فحتى الخرائط ومسار المعارك ومعالم الطرق والمسالك والبلدان، كان يدفع بها إليه، طالبا مشورته وإشارته. - لعلني أصبحت أعرفك أكثر فأكثر عن طريق اكفهرارك قبل لسانك أيها الصديق الوفي الأخرس.
ويبدو أن كل ذلك، لم يكف غليل التبع أسعد، وهو الذي أخلص له، منذ أن جاءه مخلوعا ذليلا ينزف كمدا مما فعله به ملوك الصين، فكان أن احتضنه ورد إليه ملكه وكامل سلطاته وممتلكاته وبلاده، وقربه منه السنوات الطوال قبل أهله وعشيرته ومستشاريه ورءوس القبائل: بل وحتى ولديه عمرو وحسان.
إلى أن تكشف له وجهه؛ وجه الصديق الذي قاده إلى متاهات الصين، كمثل غريق، تودي به رياح السموم الهوجاء إلى الغوص في رمالها، هو وجنوده وقادة فيالقه بل وأربعة أمراء من أبنائه، فلذات كبده. - أهكذا يصنع بالصديق؟
অজানা পৃষ্ঠা
حتى إذا ما استفاق التبع المتجبر الغافل لما حل به، واستدار مستطلعا وجه الصديق الحليف الدليل، كان قد أضاع أخلص رجاله وجيشه وأولاده الأربعة.
وهكذا حطت عليه الهموم الثقال، فكان يأمر حجابه بإحضار رءوس أبنائه الأربعة على أربعة أوعية على شكل صوان مصاغة من الذهب الإبريز ومغطاة بالرماد الذي تعتليه الرءوس باكيا متحسرا على مرأى من الصديق: وا ندماه!
وهكذا تهاوى التبع أسعد نهبا لأحزانه الدفينة، حتى إنه - وعلى حد قول المقربين منه، ومنهم ما تبقى من ذريته، عمرو وحسان - لم يعد يقوى على إتيان الفعل ومعرفته. - أين نحن؟
ومن هنا جاء اجتماع الأمراء التسعة الذين كانوا تحت إمرته، مطالبين بضرورة عمل شيء للخروج من ذلك المنزلق القاري الذي لا قبل لهم به، ولو استدعى الأمر ضرورة الانسحاب والعودة إلى ربوع اليمن، ما دام الملك - الغافل - أصبح لا يعي مجرد موقع جيشه من بحار بلاد الصين المتلاطمة، وما دامت الخسائر أصبحت تلاحقهم من كل حدب وصوب، «بل وتنشق الأرض عليهم انشقاقا كل مطلع فجر وغروب.»
حتى إذا ما استقر رأي الأغلبية على ضرورة الانسحاب والعودة إلى جزيرة العرب وربوعها شمالا وجنوبا، لم يجد ولداه - عمرو وحسان - بدا من تأييد قرار العودة، ودون حاجة لأوامر التبع السقيم المريض.
فالأكثر حكمة في مثل هذا القرار، هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مغانم تلك الحروب القارية التي طال أمدها في ربوع آسيا الوسطى والأناضول حتى مداخل الصين، والعودة بها إلى اليمن وجزيرة العرب.
كما أن الأكثر أهمية هو تقبل الأمر الواقع باحتضار «التبع المتجبر» لدفن جثمانه واقفا أو منتصبا حسب وصيته بين رفات أجداده التباعنة، كما أشار في وصيته. - لا تضجعوني فيضطجع ملككم، بل ادفنوني واقفا ليظل ملككم شامخا.
ومن هنا أعدت المراكب تمهيدا لرحلة العودة إلى ربوع جزيرة العرب وموانئها البحرية، فسيقت وحملت الغنائم والأسلاب، وحمل التبع الراقد بعرشه ورءوس أبنائه القتلى وأسراه، وسجينه الملك الآسيوي مقطوع اللسان إلى ظهر السفن دون إعلامه «بقرار العودة والاندحار المفاجئ.»
وأقلعت السفن عائدة باتجاه المحيط الهندي وبحر العرب، يسبقها الرسل إلى ربوع الجزيرة العربية وكياناتها شمالا وجنوبا، إلى حضرموت وعدن وسبأ والحجاز وذي نسور.
فأقيمت الأفراح والزينات لاستقبال الرجال من المحاربين وعلى رأسهم التبع اليمني الغازي أسعد وولداه عمرو وحسان.
অজানা পৃষ্ঠা
وهكذا أفلح الجميع في إخفاء تحركات الجيش المنسحب العائد عن التبع القائد رأس التحالف القبائلي العربي، إلى أن حطت السفن رحالها على شواطئ بحر العرب، وخرجت الجموع المنتظرة من زوجات وأمهات وأبناء وعجائز لاستقبال الرجال العائدين، حينئذ أدرك التبع الراقد ما حدث.
فما كان منه إلا أن حل وثاق صديقه وأسيره الملك الآسيوي مقطوع اللسان وأكرم وفادته هو وأهل بيته. - أنت الآن ضيفي، أيها الصديق.
وما إن انتهت مراسم توزيع الغنائم وأسلاب الحرب الطويلة المضنية على رءوس القبائل والعشائر والكيانات المشاركة التي أشرفت عليها الأميرة «البسوس» أخت التبع المريض، حتى تفاقمت حالة الملك الصحية.
حتى إذا ما أدرك هو بدوره - أي التبع - مدى اقتراب منيته، استدعى ابنه الأكبر حسان، ومضى يتطلع في وجهه طويلا مسرا إليه في ضعف بوصيته الأخيرة قائلا: اذهب إلى جبل «ضهر» بالقرب من صنعاء وأطرق باب سيدة الجبل بكهف «بنور»، وأبلغها باقتراب منيتي وموتي.
تنهد التبع طويلا في إعياء، وهو يجاهد في إطلاع ابنه الأكبر حسان اليماني على وصيته الأخيرة، وكان قد اصطفاه ليخلفه على عرش التباعنة - ملوك اليمن العظام - من بعده: لا تخبر أحدا بما تسمعه أذناك مني، قبل أن تجتمع بسيدة جبل ضهر.
أشار مهددا بطرف إصبعه: وفي كل ما تقوله لك، اسمع لقولها.
بدا وجه الملك التبع الوالد أسعد، لابنه حسان واهنا متحسرا كئيبا تحت أنوار الشموع والقناديل.
ظهر له كمن يندب حاله وانقضاء أجله وهو يتمتم لنفسه: كل شيء احتلنا عليه، إلا الموت غلبنا.
وحين حاول حسان الاقتراب أكثر لإراحة رأس أبيه، اعترضه الأب مشيرا عليه بلهجة التأكيد: اسمع لقولها.
وهو يعني بذلك سيدة جبل «ضهر».
অজানা পৃষ্ঠা
أومأ حسان لوالده منسحبا، مستديرا باتجاه باب القاعة، لتقع عيناه على شقيقه الأصغر «عمرو» الذي بدا مأخوذا مكفهرا من هول احتضار الوالد التبع.
توقف حسان في مواجهته كمن يستطلع تعبيرات وجهه قائلا لنفسه: «أتراه كان يسمع متلصصا ما جرى بيني وبين أبينا.»
وحين حاول عمرو الإفلات من نظراته والدخول مستطلعا حالة أبيه، اعترضه حسان مستديرا مشيرا إلى غطيطه الذي ارتفع شخيره قائلا له: دعه ينام.
وهنا اندفع الأمير حسان كالتائه الغائب عن وعيه، من هول تلك اللحظة التي كأنها دهر بحاله، والتي أنصت فيها إلى وصية والده «التبع المتجبر» متجولا وحده داخل ردهات القصر الشاهقة، مبعدا عنه كل من حاول الاقتراب منه مستفسرا عن حالة الملك من أمراء وشيوخ قبائل ومستشارين.
كان كل ما يشغل بال حسان ويستولى على كل فكره وخلجاته، تلك المهام الجسام التي ستلقى على كتفيه والتي تتهاوى تحت ثقلها هامات أعلى الجبال قبل الرجال، وهي أن ينام الليل ويصحو، آخذا مكان أبيه في قيادة تلك الجموع المتنافرة، من قبائل وأقوام، وأن يقتل ويغتال في وضح النهار دون أدنى رحمة.
تساءل: كيف؟
وهو الذي حاول جاهدا طويلا الابتعاد عن شهوة الحكم والتسلط، منشغلا بقراءاته وأسفاره البعيدة، لكن دون طائل.
أعاد مسترجعا كلمات أبيه، وذلك الوجه القبيح الكئيب، لسيدة جبل ضهر، كيف له أن يسلم أمره أو قياده لامرأة متوحشة قاسية الملامح، تقبع داخل كهفها أو جحرها كمثل حية رقطاء، «تتغذى بمخ البشر»، كما يقولون.
وكيف له أن يتقبل وصاياها ونصائحها. - كارثة.
وقبل أن يفيق حسان من طلاسم أفكاره كانت الأصوات النائحة قد ارتفعت من كل جنبات القصر تندب موت والده التبع أسعد.
অজানা পৃষ্ঠা
وعلى الفور دوى قرع الطبول العملاقة من خارج القصر وأعلى سفوح الجبال المحيطة معلنة موت الملك التبع أسعد، وكان صدى دوي الطبول يتردد في كل مكان كالهدير.
وسرى الخبر كالنار في الهشيم من مدينة إلى أخرى، ومن مضارب قبيلة إلى ما يجاورها، فارتفعت أصوات النساء النائحات وعقدت اللقاءات بين شيوخ القبائل وأمرائها، وارتفعت أصوات المنشدين بالأشعار الجنائزية التي تتحدث عن مآثر التبع الراحل وطموحاته وفتوحاته التي لم تفت في عضدها سوى الخيانة التي تعرض لها من ذلك الدليل الآسيوي، بل لقد وصل الحماس والحنق ببعض الأمراء وشيوخ القبائل، إلى حد المطالبة بإحضار ذلك الدليل الآسيوي - مقطوع اللسان - والانتقام منه علنا وعلى رءوس الأشهاد. - اقتلوه، اقتلوه!
وهنا تدخل الأمير الوريث «حسان» حائلا في حزم من وصول الجموع الثائرة التي امتلأت بها ساحات القصر إلى مطمورة ذلك الدليل الآسيوي لتصب عليه نقمتها دون رحمة؛ صارخا بها: ارجعوا، حذار.
فما فائدة الانتقام؟ بعدما نفذ المكتوب وأصبح الملك التبع جثة مسجاة ستوارى الثرى بعد لحظات.
بل إن الأمير حسان عاد مذكرا الجموع المتزاحمة الغاضبة بمدى ما لحق بذلك الدليل الآسيوي سلفا من عقاب، مشيرا إلى إقدام والده الراحل على جز لسانه في إحدى نوبات غضبه منه، صارخا: يكفي الآن ما هو فيه، أما الآن فهو ضيف حمير، أتسمعون!
الفصل الثاني
وصية كاهنة الجبل
اتخذ الملك التبع الجديد حسان وجهته ذات مساء إلى جبل «ضهر» مكدودا نهبا لخواطره المتضاربة، كانت أضواء المصابيح والشموع المشعلة تضيء سفوح الجبل العملاق، الذي تغطت متعرجاته وسفوحه وتضاريسه بالمضارب والخيام، يؤمها أتباع تلك السيدة - سيدة الجبل - من مرضى ومجاذيب ومعلولين.
وكانت جوقات الغناء الجماعي ذات المسحة الدينية الشعائرية تعلو من هنا ومن هناك، وهم يستخدمون في غنائهم وإنشادهم إيقاعات الدفوف الطاغية المثيرة لكل المشاعر الجسدية؛ حيث تتمايل عليها الجموع ميمنة وميسرة في غياب كامل عن كل وعي، وهي الجموع من سكان ذلك الجبل، من فقراء وأتباع ومعلولين ومشعوذين ودراويش ومرضى.
وما إن واجه حسان الجبل، حتى توقف بحصانه، لا يعرف أي المسالك يسلك، وأخفى من فوره وجهه بشاله مبعدا ملامحه عن العيون المستطلعة وأطلق العنان لحصانه راكضا من حول الجبل المائج بالحركة والغناء والحياة.
অজানা পৃষ্ঠা
استوقفته في بعض الأماكن أصوات ذلك البكاء والعويل على أبيه التبع الراحل مشيرين إلى فرسه الحمراء:
كأنك «يا حمرا» بتصيري
تحت رياح الندابات
غاب اللي يعرف مقدارك
يملأ لك لحد عبارك
وإن خست من القمح يزيدك.
وما إن تلمس طريقه المؤدي إلى حيث مغارة تلك السيدة المنتشية بالدم، حتى مضى من فوره صاعدا لا يلوي على شيء، إلى أن توقف مستطلعا ودخل المغارة الموحشة الحجرية، المحاطة بالتماثيل الرخامية والمرمرية العملاقة، كمثل معبد شاهق.
ترجل عن حصانه، وتقدم منه على الفور من اقتاد الحصان إلى طاولته وربطه مقدما له الطعام في صمت وقور.
واستغرق التبع حسان طويلا في تأمل تلك المنحوتات التي صيغت من نفيس الأحجار الصلدة نصف الكريمة، لمعبودات وثنية ورموز وأشخاص، تعرف فيها على جدوده التباعنة اليمنيين الذين حكموا طويلا تلك البقاع، تعرف على «شداد بن عاد الكبير» وعلى «يشجب بن يعرب بن قحطان»، وعلى الكثير من تماثيل والده التبع أسعد بالذات.
ودمعت عيناه حين شاهد منحوتات إخوته الأربعة الذين أودت بحياتهم تلك الحرب الأخيرة المشئومة في ربوع الصين والشرق الأقصى، فكان موتهم السبب الرئيسي فيما حل بأبيه من أحزان ثقيلة عاتية، أنزلت ببصره وجسده السقوم، خاصة حين كان يجيء برءوسهم - المحنطة - المحفوظة، على أوعيتها الذهبية، ويتأملهم في حسرة نادما باكيا، الليلة بعد الأخرى، حتى إذا نام تحاصره الأحلام والكوابيس دون مهرب، واشتدت عليه أحزانه وأسقامه حتى أودت بحياته قبل الأوان.
অজানা পৃষ্ঠা
وتهاوى حسان جالسا، وهو يرقب منزلق ذلك الجبل الهائل الذي تبدت له نيرانه المشتعلة على طول سفوحه وأخاديده كجمر هائل متقد. - يا لها من ليلة ... جحيم!
غمغم لنفسه مكتئبا آخذا رأسه بين ساعديه الاثنتين في حيرة: الجحيم بعينه؛ حكم حمير.
وكان قرع الدفوف العملاقة وأنين الرباب يصم أذنيه الاثنتين، وبدا المكان موحشا إلى حد دفع به دفعا إلى تحسس حسامه وخنجره، تأهبا للدخول. - تلك المرأة اللغز!
طالعته من جديد منحوتات إخوته الفرسان الأربعة الذين التهمتهم نيران الحرب الأخيرة المسعورة الواحد عقب الآخر، كمثل عقد منفرط. - الرحمة!
وما إن تحرك منفلتا داخلا إلى أغوار ذلك الكهف الرطب، حتى طالعته صورته المنعكسة على جدرانه الحجرية المشطوفة التي صيغت من نادر الأحجار الملونة والنفيسة، ما بين المرمر الأملس كمثل مرايا عاكسة، واليشب والعقيق والسليماني والياقوت الشديد الاحمرار.
تبدى له وجهه وهيئته منطبعة عبر مئات المستنسخات، التي لم تكن أبدا تعكس حالته الآنية ، بل عبر آلاف مؤلفة من الانفعالات والتبديات التي لم يكن يعرفها أو يشهدها من قبل في نفسه. - غرائب!
وسريعا ما انفتحت تلك المغارة المتعرجة المسالك والدروب التي تغطت جدرانها بالرءوس البشرية الحقيقية المسمرة بالجدران، والتي لا يزال بعضها يقطر بما يشابه الدم الأحمر، كما لو أن حادث قتلهم قد وقع لتوه، غمغم حسان لنفسه؛ متسائلا: أسرى!
بل إن أصوات العواء والنحيب والتوسل، من داخل ردهات الكهف ذاته وصلت مسامعه، طاغية على أصوات الدفوف العملاقة الخارجية.
توقف ملتاعا مأخوذا، إلى أن جاءه صوت المرأة. - حسان؟! - أجل! - تأخرت طويلا!
اندفع داخلا لا يلوي على شيء، إلى أن وجد نفسه داخل بهو فسيح لا يحده البصر، أحالته ألسنة النيران العملاقة إلى نهار جلي واضح المعالم والتفاصيل.
অজানা পৃষ্ঠা