فلما رأيت افتقار اللغة العربية إلى سيرة عظيم من أعاظم رجال العالم؛ ألا وهو: محمد الفاتح، الذي أحكم قواعد السلطنة العثمانية وأعلى منارها؛ أقدمت على تعريبها عن رسالة للمرحوم نامق كمال التركي، الذي فعل قلمه في توثيق عرى الشورى التي لا انفصام لها أكثر من فعل السيوف البتارة؛ لأنه بمقالاته الحماسية وكتاباته الوطنية أعد نفوسا أشربت حب الوطن، واعتدت الموت في سبيله حياة ما فوقها حياة، حتى تمكنت والحمد لله من هدم كيان الاستبداد ودرس معالمه.
وقد اخترت هذه الرسالة لأنها جمعت فأوعت، وأعطت كل ذي حق حقه، ووقفت ريعها على الأسطول العثماني الذي بدأ غريبا في عهد ذلك السلطان العظيم، وسيعود كما بدأ بسخاء أكف العثمانيين الذين أجابوا داعي الوطن، وأخذوا بالتعاون على البر والتقوى، فعسى أن يتقبل الناطقون بالضاد هذه الرسالة قبولا حسنا، وأن تلاقي منهم ما يستحقه الموضوع من العناية.
عبد الله مخلص
في غرة المحرم سنة 1328
حيفا
سيرة الفاتح
هو السلطان محمد أبو الفتح، سابع السلاطين العثمانيين، ولد في أدرنة «أندريانوبيل» في اليوم السابع من شهر رجب الفرد لسنة ثمانمائة وثلاث وثلاثين من الهجرة النبوية، ولما ترعرع ولي على مقاطعة أماسيا تبعا للقاعدة المألوفة إذ ذاك، التي كانت من أكبر العوامل في نجاح الدولة الباهر ومجدها الأثيل.
خلق الفاتح وفي خلقه شمم وإباء، فلا يكاد ينقاد إلى التعليم ولا يدخل تحت سيطرة مسيطر لشدة طبعه وامتزاجه بسورة الشباب، إلى أن تولى أمر تعليمه الملا كوراني، وهو ممن جمع بين العلم والورع، تلك الخصلتان اللتان قلما اتفقتا برجل، فأدب تلميذه وأحسن تأديبه غير ملتفت إلى أنه سيكون يوما ملكا فيسعى إلى استمالته أو التملق إليه، بل رمى إلى جعله خير كفؤ لمنصبه القادم، فلم يأل جهدا بتثقيف عقله وتنوير ذهنه بشدة ومضاء، لا يهمه إن رضي عنه أم غضب، أحسن إليه أم أساء.
ومن ذلك أن الأستاذ لأول مرة من دخوله على الأمير أقل بيمينه عصا، فلما رآها الأمير اشتغل ذهنه ولم يتمالك أن سأله عنها، فأجابه الأستاذ: «إن والدك علم بتمردك عن التعلم، فأمرني أن أؤدبك بهذه العصا إذا عصيت أمري.»
سمع الأمير هذا التهديد والوعيد ولم يكن يتوقعه أو يعتد سماعه، فانقبضت نفسه وقطب حاجبيه، ولكنه لم يسعه إلا الانصياع والخضوع مكرها، كالشبل الذي يقع في قبضة الصياد ولا يجد مناصا أو مهربا.
অজানা পৃষ্ঠা