ومن غرائب الصدف أن شأن قلعة أزورنيح كان كشأن قلعة المضيق، فإن ملك المجر بمجرد ما رأى طليعة الجيش التي يتولاها الصدر أخذ بالتقهقر تاركا ميرته ومدافعه، وقد تبعته الجنود العثمانية حتى حدود بلاده وأبلت بجنده بلاء حسنا سواء في الطريق أو في مرورهم من نهر صاوا، ورسخت قدم الدولة في السيادة على البوسنة.
أما في جهة ألبانيا فقد قلب النصر للعثمانيين ظهر المجن، وذهبت ريح فرقهم التي يقودها شرمت بك لقاء أول حملة من إسكندر. وأما بلبان بك فإنه باقتدائه بأوامر الفاتح واهتدائه بهديه نابذ الأعداء وقاومهم قليلا، إلا أنه كان يربح مرة ويخسر مرتين، فكان الفشل أليفه طول هذه الحرب.
علم الفاتح بذلك واعتقد أن شجاعا مثل إسكندر لا يقف في وجهه إلا شجاع مثله، فبعد إنهاء واقعة المجر توجه تلقاءه ودوخ بلاده من أدناها إلى أقصاها، وأحاط باقجه حصار مركز حكومته وأخذ بخناقها.
وقف إسكندر إزاء مهارة الفاتح وكفاءة مدافعه، ففضل التسلق إلى الجبال عن النزول إلى ساحة النزال أو الالتياذ بإحدى الحصون.
ثم بدأ بمناوشة الجنود العثمانية، فما كان يفتر ليلة واحدة عن شن الغارة عليها، ويعود بخسران بعد أن يكون قضى العدد العديد من الفريقين، ولما طال ذيل هذه الحملة وعرم سيلها وحل موسم الشتاء ترك الفاتح فريقا من جنده تحت قيادة بلبان بك، وتحرك هو على جهات مكدونيا، وضبط ما تيسر ضبطه من البلاد التي كانت في عرض طريقه، ووصل إلى أدرنة.
أما إسكندر بك فمذ علم برجوع الفاتح حمل على بلبان بك حملة منكرة قضى بها على ذلك القائد العظيم شهيد وطنيته، واضطرب حبل جيشه، ودمر إسكندر إيلبصان التي شادها الفاتح في تجريدته على ألبانيا مما اضطر الفاتح لمتابعة الحرب، فأعاد حملته عليها في أوائل الربيع.
وكان إسكندر بك قد قضى نحبه، فنجح الفاتح في تسخير تلك الأنحاء بدون كبير عناء.
سبق لنا البيان أن إسحاق بك القرماني تحالف هو وحسن الطويل والبندقيين، واتفقوا على معاداة الدولة العثمانية، وأنهم لاقوا من الفاتح ما أعادهم القهقرى، أما الآن فإن بير أحمد ابن عمة السلطان الذي تربى في حجره اتبع خطوات أخيه إسحاق الشيطانية، وانضوى تحت لواء حسن المذكور تحت أمل إضعاف قوة الدولة وإيقاعها في أحبولة ثانية كالتي وقعت عن يد تيمورلنك، وبالتالي الاستئثار بسلطة الاستقلال في بر الأناضول، وأصبح يعمل معهما ويدلهما على مواضع الخلل ومواطن الضعف، حتى إذا انتهى الفاتح من وقائع الروملي وجه همه نحو الأناضول لإزالة هذه العقبة الكئود ورفع هذا العدو الداخلي، وتوجه بذاته، وما عتم أن استولى على قونية واتخذها مركزا لحركاته، وجند منها الجنود تحت قيادة محمود باشا، وبعد حروب عنيفة عديدة دخلت كل تلك البلاد تحت ظل الدولة الظليل.
أما في الجهة الثانية فإن جمهور البندقية اقتصر على مناوأة العثمانيين بطرق القرصانية؛ لأنه لم يتوفق لعقد اتفاق صليبي ثان، ومع ذلك فقد أرسل أسطولا ضخما توصل به إلى نهب بعض الجزر العثمانية ومدينة أينوس إبان وجود الفاتح بجهة قرمان، فرأى الفاتح ضرورة القضاء على جزيرة أغريبوز لأنها الفرضة الوحيدة التي يلجأ إليها أسطول العدو في المورة، وجند عليها جيشا من جهة البر وأرسل أسطولا تحت إمرة محمود باشا.
وقابل البندقيون هذا العمل بالمثل، فأرسلوا أميرهم بأسطول لا يقل عن ثمانين سفينة ليمدوا القلعة وينجدوها، ولكنه وقف بمكانه لا يقدر على شيء لما لقيه من مكنة الأسطول العثماني وانتظامه، بعد ذلك الوهن الذي كان به إبان حصار القسطنطينية، حتى إنه لم يستطع منع بضع سفائن من الدخول إلى الخليج. وأقام الفاتح جسرا متينا بين البر والجزيرة، وضبط القلعة لرابع مرة من هجمات جنوده البواسل.
অজানা পৃষ্ঠা